كان من الضروري عقد اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في مفاصل كثيرة من المفاصل أو الأزمات في التاريخ الفلسطيني الحديث، لكن استبداد فكرة (السلطة الوطنية) على عقل القيادة الفلسطينية منذ البداية-وما ورثته "حماس" لاحقا بهذه الجزئية- أضعف من دور المنظمة حتى أصبحت في جيب (السلطة) وكان لممارسة السلطة على ما فيها من ايجابيات تكريس كيان الدولة والبناء والتراكمية، رذيلة (الاستمتاع) بالحكم والتشبث به، وإن كان ذاتيا أو محدودا على مساحة ضيقة من الأرض سواء في سلطة غزة أو سلطة الضفة عندما كانت واحدة، وعندما انقسمتا سيان.
إن ايجابيات تكريس سلطة فلسطينية كمقدمة لدولة فلسطينية لا تُنكر والتي منها بناء المؤسسات والكوادر وترميم ما لحق بالبلاد من دمار شامل مع الاحتلال الصهيوني المتواصل، ومواجهته وطنيا، وهو ما يحسب بالضرورة وللإنصاف للرئيس أبو عمار ثم الرئيس أبو مازن.
إن طغيان الفكر السلطوي الاخضاعي أو الاستبدادي قد فعل فعله في (الطبقة) التي تشكلت مع امتيازات السلطة الدنيوية (وهل هناك لذة أو متعة دنيوية أكبر من التحكم في رقاب العباد ومقدرات البلاد؟).
إن (الطبقة) التي تتشكل حول الحُكم ليست كلها من أصحاب الضمائر أوالنوايا الحسنة أو الأشد حرصا على البلد، وإن لا نمنع عنهم تمتعهم بالحس الوطني مهما كانت نسبته ، ولكنهم قد يصبح منهم (طبقة طفيلية) يقدمون الدوافع والامتيازات والعوامل الذاتية على الوطنية أو لربما يعتقدونها متجسدة في شخصهم الذهبي، وقد يربطون مصيرهم بالنظام القائم، ومصير النظام بهم، مهما جار وظلم واستبد فيصبحون طبقة عازلة للحاكم عن عموم الناس وعن مجريات الأمور ، فما بالك إن حصل التحالف بين رجال الأعمال (الاقتصاد) وبين السلطة (القيادة السياسية)، وأيضا قد ينضم للتحالف المصلحي رجال من الفصائل، وقيادات في المنظمات غير الحكومية.
عندما يتداخل رأس المال مع القرار السياسي تصبح المصلحة الوطنية في عُرفهم هي مصلحتهم الاقتصادية فقط أو لها التقديم والاولوية، ولم لا؟ فهم يبنون البلد ومَن أكثر أمانة واستحقاقا لذلك منهم ؟ كما يقنعون أنفسهم ويوهمون الناس ؟ فيستشري الفساد والتحايل على القانون ويصبح الاستبداد له منظرين سواء كانوا اسلامويين أووطنيين الهوى أو يساريين.
نتفهم عقلية استعادة المسلوب وطنيا من ما اختطفته "حماس"-تيار الانفصال سواء لجغرافيا غزة أو شعبها أو مقدراتها، ورفضها تسليم الأرض والسلطة للحكومة المتوافق عليها، ونتفهم السعي القانوني لتجديد الشرعيات، ونعتقد أن "حماس" ذهبت بعيدا جدا ب"أخونة" القضية وتكريس الدويلة التي تصب في جيب "بلير" ومتعة "نتنياهو" الذاتية في تفتيت الشعب الفلسطيني وتوقي أي فعل عسكري ضد الاسرائيليين، ونقر بأهمية تكريس المنظمة إطارا موحدا فاعلا ضد العنجهية الصهيونية عبر برنامج نضالي تثويري، لكن تبرز مجموعة من التساؤلات:
١-لماذا لم ينعقد المجلس الوطني في أحداث أهم بكثير مثل الانتفاضة الثانية أوانقلاب "حماس" الدموي على غزة أو وفاة الرئيس عرفات؟ أو منعها الاحتفالات بذكراه أو بتدنيس الأقصى؟ أو بحروب غزة الثلاثة؟ وحصار شعبها، أو بحرق أبوخضير أو بتنامي سرطان الاستيطان؟ أو باستشهاد الوزير أبوعين أو لاقرار اتفاقات المصالحة؟ أو... أو لبناء محور عربي قوي أو لإعادة ترتيب أوراقنا في المنطقة المضطربة؟ أو بعد نصر إعلان الدولة في الأمم المتحدة أو أو أو من عشرات التساؤلات؟
٢-لماذا ينعقد وهناك لجنة لإعادة بناء وتفعيل المنظمة متفق عليها مع الفصائل؟ كان الأجدر بذل مزيد من الجهد لعقدها.
٣-لماذا هذا الانعقاد وكانت الأولوية للاستراتيجية الوطنية أو البرنامج السياسي الجامع؟
٤-لماذا ينعقد فقط لتغيير التنفيذية؟
٥-ألم يكن الأجدر التفكير بالبدائل التي تمتّن الروح والبناء الوطني أولا؟
٦-ألم يكن من البدائل مد الخيوط و"التنازل" عن الكبرياء الشخصي أو التنظيمي الفتحوي؟ وفتح الباب أمام تيار المصالحة في حماس، وأمام الجهاد؟ وغيرهما؟
٧-فلسطين هي مبرر انطلاقة حركة فتح الوحيدة، وكما قال كمال عدوان (عقيدتي السياسية فلسطين) وعليه مع تقديرنا لقرارات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلا أننا لا نراها تصب في إتجاه البديل الأصوب، لا سيما ووجود بدائل على عكس ما قد تصوره القلّة أو البطانة الخائبة الخائفة الزائفة.
ومع ذلك، إن كان الاتجاه أو القرار لعقد جلسة طارئة للمجلس الوطني الفلسطيني وتغيير لجنته التنفيذية -رغم كل ما قلناه- يعني مقدمة "حقيقية" وليست شكليّة لبناء استراتيجية (وخطط وبرامج) وطنية شاملة وموحدة فلا نرى إلا الترحيب، وان كانت أول مهمة للتنفيذية الجديدة وفي "أمد زمني محدد" عقد اجتماع لجنة الفصائل المعنية بتصحيح المسار (لجنة تفعيل المنظمة المسماة من البعض القيادة المؤقتة) أو وضع الخطة الوطنية فأهلا وسهلا.
وان كان الهدف من اجتماع المجلس الوطني الاستثنائي هو الانفكاك عن سياسية التهويد والتمدد والاحتلال والاستتباع للإسرائيلي وبناء محور عربي – إقليمي موحد فهذا أمر عظيم، وان كان من ضمن الأهداف القريبة تكريس مؤسسات الدولة ونزع غطاء (السلطة) وتحديد الفواصل بين صلاحيات المنظمة كمرجعية أولى وبين السلطة والدولة فهذا مما نقره ونهلل له، فإلى أين نحن من كل ما سبق في الحقيقة ذاهبون؟.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها