راجي النجمي عضو المجلس الثوري لحركة فتح غادرنا قبل أيام, تركنا في من مضطرب وملتبس لا نعرف أوله من آخره وصعدت روحه الى بارئها راضية مرضية، وهكذا هو دائما مثل علامة السؤال تصدمك وتستوقفك, رجل يعشق التفاصيل, يلاحقها بشغف، يصنع من خلال نسيجها صورة المشهد الأكثر دقة, ولمع اسمه منذ نهاية الستينيات، من خلال تلك التجربة التي كان يقودها يحيى عاشور" حمدان " في إقليم لبنان، وكان راجي النجمي مسؤول التنظيم في المخيم الإشكالي المعروف, مخيم تل الزعتر, الذي كان يمد مجموعة المصانع الكبيرة شرق بيروت بالعمال من الجنسين بأجور رخيصة, وسرعان ما تحولت هذه الميزة المغرية الى هاجس مقلق، هكذا هي الثورات الكبرى تحول الوجع الى قيامة، وتحول أكواخ الصفيح الى مناجم بشرية من ذهب، تحولها الى معسكرات للفدائيين.
وصعد راجي النجمي بقدرته الخارقة على المتابعة من مخيم تل الزعتر, لأن يصبح المسؤول التنظيمي عن بيروت وكانت بيروت وقتها هي هانوي الثورة الفلسطينية, وكانت المدرسة الثورية السائدة لدى فتح منذ انطلاقتها في منتصف الستينيات هي مدرسة " انت الجندي وانت القائد في آن واحد" وفي مدرسة نضالية من هذا النوع ليس هناك شيء غير مهم, كل التفاصيل مهمة, كل التفاصيل عبقرية ولها وزنها في السياق النهائي، حتى ان الجيل الذي ينتمي الى تلك المدرسة يعجب اشد العجب حين يشاهد اجيالا في اللحظة الراهنة تشكو من الفراغ، ومن قلة الشغل, ومن السأم والملل الذي يصل الى حد العجز والتشيؤ! يا الهي كيف تكون فلسطينيا, تسكن في علب الدهشة, ومزروع في ينابيع المفاجآت المذهلة, ثم تشكو من الملل ولفراغ والانطفاء؟
يستحق راجي النجمي ما هو اكثر بكثير من مجرد مقال عابر، انه يحتاج الى ذاكرة مفعمة لاستحضار تلك التجارب الناجحة والمشعة بالإبداع ومن بينها تجربة اقليم لبنان التي احتشد فيها رجال من نوع فريد مثل راجي النجمي والحج طلال, ولمعي القمبرجي، وزملائهم اللبنانيين من العائلات اللبنانية المرموقة, وأشخاص متميزين بالموهبة, ومثل تجربة السرية الطلابية التي شكلها معين الطاهر لتصبح فيما بعد كتيبة الجرمق وتركت آثارها وامتدادها بعد ذلك في عمق المقاومة اللبنانية، حين كانت موجودة في منطقة النبطية وقلعة الشقيف وغيرها من مناطق لبنان، وتركت لنا سطوعا في ذاكرة شهدائها أبو حسن قاسم، وباسم التميمي ومروان كيالي وعلي ابو طوق, وتجارب اخرى لثورتنا العظيمة لا ينكرها الا من انساهم الله انفسهم، وهي تجارب لم يقتصر تأثيرها على اكتشاف الشعب الفلسطيني لذاته بل اكتشاف الامة لذاتها. وربما يكون هذا المقال حافزا للكتابة الجادة العميقة عما حدث، لنعرف هل نحن في السفح ام في القمة، وهل يوجد احد سوانا نراهن عليه لنصل الى هدفنا الوطني؟
التحية لذكرى راجي النجمي، كان دائما هكذا يحضر ويغيب مثل علامة، حاضر من حيث لا نتوقع وله ما يقوله وله ما يراه وله ما يفعله، هو وجيله من المناضلين الفتحويين تركوا ميراثا ضخما، فتعالوا نضيئه ونجدد نسخته التي تصلح للأزمنة الفلسطينية، فله التحية ولروحه السلام.