المتابع لسياسة اجهزة الامن الاسرائيلية والغربية خلال العقود الماضية، لاحظ مثابرتها ودأبها المتواصل على تحقيق اكثر من هدف في الساحة الفلسطينية على صعيد العملية السياسية او باسمها، منها: اولا السعي لاستقطاب كفاءات وشخصيات جديدة، وترويضها للتساوق مع خياراتها؛ ثانيا إحداث اختراق في جدار الرواية الفلسطينية لصالح الرواية الاسرائيلية تحت عناوين ضبابية؛ ثالثا ايهام تلك الشخصيات بـ "الحرص" على تحقيق تسوية سياسية.
ولاعطاء "مصداقية" لجهودها، تقوم بدعوة شخصيات "يسارية" إسرائيلية للمشاركة في الورش، التي تقيمها في دول اوروبا او الولايات المتحدة او تدفع ببعض الشخصيات المتلفعة بثوب "الاعتدال" او "اليسارية" لتتواصل مع شخصيات فلسطينية تحت عناوين ومسميات جاذبة من حيث الشكل لأي فلسطيني يسعى للوصول لحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. لكنها في الجوهر تتناقض مع الرواية والمصالح الوطنية العليا.
ويخطئ من يعتقد، ان الشخصيات الاسرائيلية "اليسارية" تقوم بذاتها لطرح مبادراتها السلمية. لماذا؟ لأنها تعي جيدا، انها ليست صاحبة قرار في العملية السياسية؛ وكونها تعلم ان حجمها محدود، ووجودها في المشهد السياسي الاسرائيلي ليس ذا شأن مهم؛ ولادراكها ان اي رؤية سياسية تعترف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، لا يمكن لها ان ترى النور في الساحة الاسرائيلية. لأن الممسك بزمام الامور، والمؤثر في صناعة القرار السياسي الاسرائيلي، هو اليمين واليمين الصهيوني المتطرف، الرافض من حيث المبدأ خيار التسوية السياسية. وبالتالي دخول الشخصيات المعتدلة على خط المبادرات السياسية، في حال إفترض المرء حسن النية، يعدو أكثر من اختراق للرواية الفلسطينية، والعبث بها، وايجاد موطىء قدم لرؤاهم المتناقضة مع المصالح الفلسطينية العليا في الساحة الفلسطينية، لتسميم الوعي الجمعي الفلسطيني.
بالعودة للمبادرات الجديدة المطروحة على بساط البحث، مبادرة "دولتان... وطن واحد!"، التي سيعلن عنها رسميا غدا الخميس في بيت جالا. التي توافقت على طرحها شخصيات إسرائيلية وفلسطينية، مع ضرورة الاشارة إلى ان بعض الفلسطينيين، المدرجة اسماؤهم بالتوقيع عليها، اعلنوا سلفا، عدم علمهم بها، وان اسماءهم زج بها دون استشارتهم. الامر الذي يشير إلى عدم قبولهم بما جاء في المبادرة، وبعد ما تناولته واثارته منابر وشخصيات إعلامية فلسطينية عن المثالب الخطيرة، التي احتوتها، ومنها أن "الشعبين يعترفان بالحقوق التاريخية لكل منهما في الوطن الواحد". ولا تقف عند حدود هذا الخلط العميق بين الروايتين الفلسطينية والصهيونية، الذي يساوي بين اصحاب الارض والتاريخ الفلسطينيين، وبين مزوري التاريخ واصحاب شعار الصهيونية الابشع "ارض بلا شعب.. لشعب بلا ارض" المستعمرين الصهاينة، بل ذهبت إلى "رفض حق العودة" للفلسطينيين لارضهم وديارهم، التي طردوا منها، وحصرت عودتهم "إلى دولة فلسطين". أضف إلى انها جردت ابناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب من حقوقهم السياسية والدستورية في دولة إسرائيل، وفق ما جاء فيها: اعتبار كل شخص من الشعبين، من حقه، ان يعبر عن تقرير مصيره وطموحاته القومية في دولته!؟ ثم خلصت إلى الدعوة للوطن الواحد بعد تحديد حدود الدولتين، تبقى الحدود مفتوحة بينها، بحيث تصبح الحركة والتنقل للافراد والسلع ورؤوس الاموال متاحة بين الدولتين بما في ذلك حق الاقامة. وهو ما يعني سلفا "ترسيم" و"تشريع" المستوطنات المقامة على الاراضي المحتلة عام 1967، او فتح الافق امام حركة الاستيطان الاستعماري الصهيونية لتهويد ومصادرة الارض الفلسطينية تحت عناوين ومسميات مختلفة.
المبادرة الجديدة عنوان آخر من عناوين الاختراق للرواية والوعي الجمعي الفلسطيني. وهي جزء من مشاريع القيادة الصهيونية واجهزة امنها لاستهداف فلسطين الارض والشعب والتاريخ والاهداف الوطنية. فهل يتنبه الفلسطينيون الموقعون على المبادرة للاخطار، التي تحملها مبادرتهم الخطيرة، يسحبون تواقيعهم قبل فوات الاوان؟