اتساع دائرة المقاطعة لدولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية في ميادين الحياة المختلفة وفي دول العالم قاطبة خاصة في اميركا واوروبا، قض مضاجع المؤسسات التشريعية والتنفيذية والحزبية الاسرائيلية، وأثقل كاهلها. ويعمق من حشرها يوما تلو الآخر في الزاوية، ودفع كتلها البرلمانية لدعوة الكنيست لجلسة طارئة لمناقشة تداعيات اتساع المقاطعة بعد نشر التقرير الاممي لممثلة الامين العام للامم المتحدة للدفاع عن الاطفال، الذي طالب بوضع الجيش الاسرائيلي على قائمة الارهاب، وربط جرائمه بـ "داعش" و"بوكو حرام" و"تنظيم القاعدة"، اضف للمحاولة الفلسطينية في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) لطرد إسرائيل منه، ثم إعلان اتحاد الطلاب البريطاني، الذي يمثل سبعة ملايين طالب، عن انضمامه لمقاطعة إسرائيل.
المقاطعة تتدحرج ككرة اللهب لتحيط دولة التطهير العرقي الاسرائيلية من جوانبها المختلفة. صحيح ان المقاطعة حتى الآن، لم تشكل خطرا حقيقيا عليها، لكن تناميها واتساع انشطة منظمة (بي دي اس) في دول ومؤسسات العالم كافة لسحب استثمارات الشركات منها، من خلال فضحها لانتهاكات وممارسات دولة الحرب والموت الاسرائيلية، استنفر قادة إسرائيل، وزاد من تخبطهم وجنونهم بحثا عن سبل جديدة تحد من آثار عمليات المقاطعة، والسعي لـ"تبييض" صورتها امام الرأي العام العالمي، بعد ان باتت بضاعة "العداء للسامية" مكشوفة ومفضوحة. أضف الى ان ما تدعو اليه وزيرة القضاء، شاكيد، الداعية لمقاطعة من يقاطع إسرائيل، تكشف عقم البدائل الاسرائيلية وافلاسها.
وما يزيد القيادة الاسرائيلية ارباكا وتوترا وجنونا، هو تطور المقاطعة في الدول والمنابر الاممية. لأن انتهاكاتها وجرائم حربها المتواصلة، ورفضها لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وتخندقها في مربع الاستيطان يميط اللثام عن وجهها القبيح، ويسقط ذراعها الباهتة، التي لم تعد تنطلي على احد.
كما ان اي قرار من الكونغرس الاميركي و"الايباك" الصهيوني في الولايات المتحدة، لن يفلح في الحد من ازدياد دائرة المقاطعة افقيا وعموديا. ولن ينفعها ايضا الفيتو الاميركي، لأن المقاطعة تخرج عن دائرة نفوذ اي من المؤسسات الاميركية او الصهيونية الداعمة والمؤيدة لاسرائيل. وبالتالي رهان إسرائيل على حلفائها في الدول والمؤسسات، هو رهان خاسر بالمعنى الاستراتيجي والبعيد. خاصة وان المنابر والشركات والمؤسسات وحتى الدول كالاتحاد الاوروبي وغيرها، إنسجاما مع توجهاتها السياسية ومع مبادئ الشرعية الدولية وحقوق الانسان، ورفضها لخيار الاستيطان الاسرائيلي المتناقض مع التسوية السياسية، يملي عليها تطوير اشكال المقاطعة، ورفع سقفها للتأثير في صانع القرار الاسرائيلي.
ممكن لحلفاء إسرائيل ان ينجحوا هنا او هناك في محاصرة أو تكبيل بعض المؤسسات والمنابر والشركات الراغبة بمقاطعة إسرائيل، لكنها لن تنجح في المدى المتوسط والبعيد من إيقاف عجلة المقاطعة طالما دولة التطهير العرقي الاسرائيلية تواصل التهويد والمصادرة للاراضي الفلسطينية، وتضرب ركائز الحل السياسي، ولا تتوقف عن نهج الارهاب المنظم ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني ومصالحهم العليا. لكن حتى تتعمق عملية المقاطعة وترتقي إلى مستويات جديدة ومتقدمة ومؤثرة، فإن على القيادة الفلسطينية والاشقاء العرب وانصار السلام في العالم تكثيف النشاط والتواصل مع الدول والهيئات الاممية والقومية السياسية والاكاديمية والثقافية والفنية والاعلامية والاقتصادية والقانونية والرياضية لربطها بعجلة المقاطعة، وتوسيع ثقلها وتأثيرها القوي على صانع القرار الاسرائيلي، من خلال عزله ومحاصرته، وملاحقته في مختلف المنابر كمجرم حرب حتى يقبل بدفع استحقاقات التسوية السياسية وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67. انها حرب البقاء والانتصار على دولة اسرائيل الاستيطانية.