كلما عزت عناصر الإقناع، في معرض التعليق على سوء الأحوال في قطاع غزة تحت الحكم الحمساوي؛ كان الناطقون باسم سلطة الأمر الواقع، يباهون بالأمن والأمان. ومعلوم أن أمن المجتمع وأمانه، هما صنو الحياة، وقياساً عليهما تهون كل المصائب. لكننا في القراءة المتأنية للخطاب الحمساوي حول الأمن والأمان، نُطالع نبرة تذكير أو تلويح، بأن هذين المنجزين الحمساويين (الأمن والأمان) هما من فضائل السيطرة التامة على قطاع غزة، التي لولاها، لم يكن الغزيون سينعمون براحة البال!
ولكن: ماذا عن ظاهرة التفجيرات التي يمكن تعليلها بإحدى حقيقتين، إما أن تكون السيطرة قد ترهلت، أو أن جماعة السيطرة نفسها هي التي تُفجّر؟
جواب الحمساويين الأنسب، سيذهب الى القول، إن أية سيطرة ستكون عرضة للخرق، وهذا جواب يصلح للمناطق ذات المساحات الشاسعة والأراضي الخالية، أو تلك التي تتخللها جبال وغابات. لكن غزة، من بين مناطق الدنيا، ليست فيها مساحة تخلو من العيون التي ترى وتتعقب، ومن الناس صاحبة المصلحة في إلقاء القبض على من يفجرون. ففي أيام السيطرة الأمنية الرخوة، بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، لم يشهد قطاع غزة أية تفجيرات سوى تلك التي ينفذها العدو من الجو أو البحر أو البر، ويكون مصدرها معلوماً. وليس أكثر استثارة للناس، وأدعى الى الحيطة، من تفجيرات مجهولين، يُنسبون في العادة الى معسكر الجوسسة والتخريب. وتُقاس كفاءة أجهزة الأمن، من خلال اختبار قدرتها على كشف الفاعلين، لأن الأفعال نفسها تمثل خطراً على المجتمع، مصدره الافتراضي الاحتلال وأجهزة أمنه. فإن عجزت قوة السيطرة الأمنية التامة على قطاع غزة، عن ملاحقة منفذي التفجيرات وضبطهم، معنى ذلك أن السيطرة تكون على حركة الناس وعلى تعبيراتهم السياسية وعلى نقدهم لممارسات الحكم، وهذا معيب وشائن. فهو الذي أطاح بإمبراطوريات كانت تحكم ولها أجهزة تضبط العدو مثلما تضبط حركة الناس، مثلما حدث في تجربة الاتحاد السوفياتي السابق.
نقول هذا الكلام، من باب الشرح لافتراض قوي، أن تكون أجهزة السيطرة التامة على قطاع غزة، هي التي تفجر، وتصفي حسابات داخلية فلسطينية وداخلية حمساوية. ولا يدحض هذا الافتراض، سوى ضبط الفاعلين، لأن مسرح قطاع غزة، لا يساعد أية خلية موصولة بأجهزة المحتلين، مهما بلغت من دقة التخطيط والتنفيذ والتخفي، على تنفيذ تفجير على مقربة من منزل لواحد من قيادات "حماس".
كثيرة هي الافتراضات التي تتعلق بدوافع الحكم في غزة، لتنفيذ مثل هذه التفجيرات. هناك مراكز قوى متباغضة داخل وضعية السيطرة التامة، وهناك افتراض الدافع السياسي الذي يظن أن الإيحاء بوجود دواعش، يمكن أن يفتح المجال لتعاون أمني مع الجوار يُعيد بناء الجسور معه، فضلاً عن الإيحاء بأن حكم "حماس" ينبغي أن يكون أهون بكثير، في حسابات الآخرين من سيطرة داعشية. وفي حال وجود مثل هذه الدوافع، نكون بصدد سياسات خرقاء لا تعرف أن الخط المستقيم هو أقصر الطرق بين نقطتين. فالأجدر أن تكف مراكز القوى الداخلية عن التنازع بوسائل عنفية، وأن تكف "حماس" عن التصرف، باعتبارها جزءاً من حركة "الإخوان" ومعركتهم في المنطقة. ففلسطين، على الصعيد الإخواني، ينبغي أن تكون مستثناة من دفع أكلاف الارتباط الحركي بجماعة "الإخوان" مثلما استثنت "حماس" نفسها من خصومة واجبة مع النظام السوري، في مرحلة إقصاء "الإخوان" السوريين من بلادهم واعتبار الانتساب اليهم في الدستور، جريمة عقوبتها الإعدام!
ليتفحص الحمساويون موضوع التفجيرات، وليعلموا أن معرفتهم بها مصيبة، لكن عجزهم وهم قوة السيطرة التامة عن ضبط منفذيها مصيبة أكبر!