شهدت العاصمة المصرية لقاء بين حماس وفتح أمس، هو، اللقاء والحوار الاول بعد تصاعد حدة الخلافات بينهما في اعقاب الحرب الاسرائيلية الوحشية على محافظات الجنوب. عنوانه المكاشفة بين الحركتين، بعد سلسلة الانتهاكات، التي وقعت فيها (حماس) منذ توقيع بروتوكول الشاطئ في ابريل، ومن ثم تشكيل حكومة التوافق الوطني مطلع يونيوالماضي، واستشراف أفق المستقبل المنظور في تحمل حكومة رامي الحمدلله مسؤولياتها على الصعد المختلفة وخاصة في ملف الامن والاعمار والحصار وقبلها الامساك بمقاليد العمل في الوزارات المختلفة بإلغاء دور حكومة الظل، وخلق مناخ إيجابي في الاوساط الشعبية والفصائلية بعد سحب البساط من تحت اقدام ما يسمى «الامن الداخلي» التابع لحماس، الذي يلعب دورا متناقضا مع المصالحة الوطنية، من خلال التطاول على المراسيم الرئاسية بشأن المحافظين الجدد، وملاحقة قيادات وكوادر حركة فتح.
بالتأكيد لن يكون الحوار سهلا ومريحا لأي من ممثلي الحركتين، وسيكون حوار عض الاصابع، لاسيما ان حركة حماس لن تتنازل لحركة فتح عن نفوذها في محافظات الجنوب دون مقابل، والحد الادنى المطلوب من الرئيس ابو مازن وحكومته يتمثل في: اولا دفع فاتورة الرواتب لموظفي حماس، الذين يزيدون عن الاربعين الفا؛ وثانيا تحمل اعباء إعادة الاعمار، ثالثا رفع الحصار وفتح المعابر. ووفق بعض المصادر العليمة، فإن دول الاتحاد الاوروبي ابدت الاستعداد المبدئي لتحمل فاتورة الرواتب، غير ان ذلك لا يشمل اعضاء كتائب القسام او المدرجة اسماؤهم في قوائم «الارهاب»، وبالتالي اعفت الرئيس ابو مازن لحين من اية التزامات تجاه موظفي حركة حماس، وسهلت تفعيل دور اللجنة الادارية القانونية في إعادة تقييم الموظفين، وفتحت الافق لتقليص الفجوة بين الحركتين وبين القيادة الشرعية وحركة حماس.
غير انه من المبكر رفع سقف التفاؤل، والاعتقاد بان قاعدة «صلاحيات كاملة مقابل مسؤوليات كاملة» يمكن دفعها للامام، لأن الجانب الامني وسلاح «المقاومة» على الاقل في الظرف الراهن من الصعب الافتراض ان حركة حماس ستتخلى عنه بسهولة حتى لو اتجهت نحو خيار المفاوضات المباشرة او غير المباشرة مع إسرائيل. رغم ان بعض المراقبين، يعتقدون ان ما يهم فرع الاخوان المسلمين في فلسطين، هو إعفاؤها من فاتورة الرواتب واعادة الاعمار ورفع الحصار، إلا ان اصحاب هذا الرأي، نسوا او تناسوا، ان حماس اولا تريد ان تطمئن إلى حصولها على مكان مركزي في مؤسسة منظمة التحرير ومؤسسات الدولة المختلفة التنفيذية والتشريعية، لانها تعول على استلام مقاليد الامور في المؤسستين من خلال تفعيل المؤسسة التشريعية، وتولي قيادتها من قبل احد اعضائها؛ ثانيا تعويمها في الساحة العربية والدولية. لانها تخشى ان تعطي باليمين ولا تحصد بالشمال. وتناسوا ان الشرعية هي الحضور الكامل في محافظات الجنوب، ولا تقبل وجودا شكليا ورمزيا في قطاع غزة، لتتمكن من تحمل مسؤولياتها كاملة تجاه الشعب. وكلا الاستحقاقات للجانبين، ليس من السهولة بمكان تمريره او قبوله على طبق من فضة من الجانب الآخر.
النتيجة الواقعية لحوار القاهرة، ستكون التخفيف من حدة التراشق الاعلامي والاتهامات المتبادلة بين حركتي فتح وحماس؛ وإبقاء الباب مواربا بين الشرعية وجماعة الاخوان في فلسطين، وعدم إغلاق الباب مجددا، لان هناك استحقاقات سياسية داخلية وعربية وإسرائيلية ودولية، تستدعي ضبط إيقاع حدة التنافر بينهما، والسعي لايجاد قواسم مشتركة على نقاط الاتفاق، وترك نقاط الخلاف لحوارات اخرى، لاسيما ان كل طرف يراهن على التطورات الراهنة واللاحقة، لعلها تكون لصالحه في الضغط على الآخر.