شكلت اللجنة المركزية لحركة "فتح" لجنة من بين أعضائها للحوار مع "حماس" وصولاً الى وفاق على أسس صحيحة، يرتضيها الطرفان ويقتنعان بها، توخياً لمصالحة حقيقية تقوم على أسس وطنية ودستورية. وفي هذا الحوار المُزمع إجراؤه، ينبغي أن يوضع كل شيء على الطاولة، وأن تكون حيثيات كل أمر وحقائقه وأرقامه وتوقعاته وحساباته جاهزة وحاضرة. فالعشوائية تأخذنا الى اتفاقات هشة وفضفاضة سرعان ما ينكشف ضعفها عند التطبيق وبعد انتهاء وظيفتها الاحتفالية. فقد كانت علة الاتفاقات السابقة، أن الطرفين يذهبان اليها تلافياً للضغوط الخارجية، وبعدئذٍ يضمر أحد الطرفين أو كلاهما، التنصل منها بافتعال التعارضات حول الأولوية الزمنية أو حول استحقاق كل نقطة، عند التنفيذ، ويتعطل التطبيق عن عمد. وكانت الأوهام المتعلقة بمشروع التسوية، وبمشروع "الإخوان" هما معقد رجاءات الطرفين. لكننا اليوم أمام واقع تدلنا قراءته على استحالة أن ترجى تسوية متوازنة مع إسرائيل، واستحالة أن يحمل "الإخوان" مشروعاً للمقاومة أو يساندوا مشروعاً في هذا السياق، لأن ذلك لم يكن في أجندتهم الإقليمية أصلاً، وبالتالي من الخطأ أن ترسم حلقتهم الفلسطينية أجندتها وفق أجندتهم. وهم الآن يحاولون انتشال أنفسهم من محنة متفاقمة، ولن يتأتى لهم ذلك قبل اعتماد منهج عمل وخطاب جديدين.
في الحوار الجديد المعمق، بات من الضروري أن يحضر طرفا السجال الاقليمي، لكي يفرض المنطق نفسه ويكون الطرفان المكلفان عربياً من خلال جامعة الدول شاهديْن على الحديث.
خطوة "فتح" لمأسسة العمل من جانبها في خط المصالحة والوفاق، لن تكتمل دون لجنة دعم فني تتشكل من مختصين في موضوعات الحوار. فكل القضايا تتطلب شرحاً ونقاشاً وصولاً الى التوافق. فعلى سبيل المثال، هناك قضية موظفي "حماس" الذين يُطرح موضوعهم باختزال شديد يركز على الأرزاق والأعناق، علماً بأن للمسألة حيثيات كثيرة، منها عددهم، وطبيعة توظيف كل إنسان، بالعقد أو بالتعيين، ومفردات التعيين وصلتها بالتأهيل والسن وأعوام الخبرة، واستقطاعات التأمين والمعاشات من حكومة "حماس" والمبلغ الذي تراكم، إذ لا يجوز تحميل السلطة عدداً من الموظفين دون تحويل أرصدتهم التقاعدية التي تراكمت خلال سبع سنين، ولهذه الأرصدة تقديرات تقريبية في ملفات السلطة في رام الله. بل إن زميلنا منير سلامة، ظل يرصد منذ سنوات ويوثق كل شيء يصدر عن حكومة "حماس" ويُنشر في جريدتها الرسمية، ولديه من التفصيلات والأرقام والمراسيم ذات الطابع القانوني والاداري ما يساعد على شرح الموقف على أسس دستورية وقانونية. وفضلاً عن ذلك كله، لا بد أن يكون استيعاب موظفي حكومة "حماس" تبعاً لاستيعاب هذه الحركة نفسها لبرنامج وفاق وطني يمكّن السلطة الوطنية، بصيغتها الوفاقية، من الوقوف على الأرض وممارسة مسؤولياتها باقتدار. ذلك بمعنى ألا تُدفع الرواتب باقتدار بينما من يظل من يدفعون غير مقتدرين في الحكم، ويمكن لجهاز أمن "حماس" أن يعتقل مسؤولي الحكومة الوفاقية أو أن يقلب الطاولة وقتما شاء. ولا بأس من بدء الحوار حول هذه النقطة، على قاعدة أن الموظفين من كل طيف سياسي هم أبناؤنا ولهم الحق في الوظيفة العمومية وفي الحصول على مقومات حياتهم وحياة أسرهم. لكن هذا المبدأ يظل تفصيلاً لا يصح الوصول اليه قبل تكريس المبدأ العام، لأن رفع قبضة "حماس" الأمنية عن غزة، هي الشرط الأول وبرهان التأهل لمشروع الوفاق. أما أن تظل "حماس" تحكم فعلاً، وهي التي نشرت في جريدتها الرسمية مثلاً مرسوماً بتشكيل لجنة لإحباط مسعى السلطة "الخطير" للتوجه الى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف بالدولة؛ فإن هذا يرسم صورة كاريكاتورية للوضع عندما تدفع هذه "الدولة" نفسها رواتب موظفي "حماس". نحن نتطلع الى وحدة السلطة والى وحدة العمل الوطني ووسائله ولغته ومراسيمه وقوانينه. وهذا مثال لما ينبغي أن يكون عليه التناول في الحوار التفصيلي وصولاً الى وفاق راسخ!