يجهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لقيادة سفينة إسرائيل بين أمواج عاتية من التطرف الداخلي المطالب بالحرب واستعادة الردع، وبين قيود دولية شديدة وأثمان باهظة تجبيها المقاومة.
وقد امتنع نتنياهو عن عقد اجتماع مقرر للمجلس الوزاري المصغر، للبحث في صيغة اتفاق لوقف النار، وآثر المداولات الهاتفية والسعي إلى فرض موقف على زملائه في الحكومة.
 

ومع ذلك فإن وزير الجيش الإسرائيلي موشي يعلون حاول تجنب الوقوع في الخطأ الذي اقترفه رئيس أركانه الجنرال بني غانتس، عندما طلب من المستوطنين العودة إلى الحياة الطبيعية، فأعلن أن اليوم قد يكون يوم قتال بعد انتهاء الهدنة.
وعلى خلفية عدم بقاء أكثر من 24 ساعة على موعد انتهاء الهدنة عند منتصف هذه الليلة، تكثفت الجهود يوم أمس للتوصل إلى صيغة لوقف النار، بعدما تبينت استحالة تحقيق ذلك من دون تلبية بعض مطالب المقاومة، وعلى رأسها حركة «حماس». وتشير جهات عديدة إلى أن إسرائيل حاولت أمس إقناع الفلسطينيين أنها تسعى للتوصل إلى اتفاق على مراحل، أساسه التوسّع في تفاهمات العام 2012، ومنح المزيد من التسهيلات في المعابر وتخفيف الحصار، ضمن خطة للتفاهم لاحقاً مع السلطة الفلسطينية على فك الحصار تماماً وإنشاء منافذ بحرية وجوية لقطاع غزة.
وبحسب ما أعلن في وسائل إعلام إسرائيلية فإن الصيغة التي تتبلور لوقف النار تتمثل أولاً في تسهيل نقل أموال لموظفي حكومة «حماس» عبر طرف ثالث، وأن توسع إسرائيل بالتدريج نطاق الصيد البحري للقطاع، والقبول بإدخال مواد بناء لإعادة إعمار القطاع تحت رقابة دولية. ولا يوجد في الصيغة ما يشير البتة إلى مطلب إسرائيل بنزع سلاح غزة وتجريدها من الصواريخ والأنفاق.
وبموجب الاتفاق فإن إسرائيل ستضاعف من دخول الشاحنات إلى القطاع، بحيث يصل عددها إلى 600 شاحنة يومياً، كما ستزيد بشكل كبير تصاريح الدخول والمرور عبر إسرائيل من غزة إلى الضفة الغربية والعالم الخارجي وبالعكس. ولا تبدو في الصيغة حتى الآن أية إشارة إلى الميناء. ويبدو أن هناك قبولاً من الطرفين بجعل الأمر موضع نقاش لاحق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، خصوصاً أن إسرائيل أعطت موافقة مبدئية على الميناء وتشغيل المطار، لكنها قدمت شروطاً لتحقيق ذلك.
ويصرّ الوفد الإسرائيلي طوال المداولات على أن يضم الاتفاق إعادة جثماني الجنديين شاؤول أورون وهدار غولدن اللذين بقيا لدى «حماس». ويطالب الفلسطينيون ببحث هذه المسألة بشكل منفصل في إطار البحث في كل قضية الأسرى الفلسطينيين المعتقلين لدى إسرائيل. وأشارت مصادر مختلفة إلى أن تقدماً فعلياً حدث في مناقشة القضايا، لكن لا تزال هناك خلافات حول جدول تنفيذ الاتفاق.
وفي الوقت الذي تشيع فيه كل الأطراف أمر حدوث تقدم، رغم اعترافها بأن الفجوات أيضاً لا تزال كبيرة، فإن الحديث يدور عن احتمالات كبيرة بتمديد وقف النار لمدة أخرى. ومعروف أن إسرائيل ترفض تحديد أي وقف جديد للنار بساعات، في حين يرفض الفلسطينيون ترك الأمر مفتوحاً.
ونظراً لتعقيدات المفاوضات والوضع الدولي عمد نتنياهو إلى إلغاء اجتماع مقرر للمجلس الوزاري المصغر، واستبدله بمحادثات هاتفية وشخصية مع كل واحد منهم على انفراد. وقد أطلع نتنياهو أعضاء المجلس على الصيغ المعروضة في المفاوضات، من دون أن يشير إلى الصيغة التي يفضل. وأشارت صحف إسرائيلية إلى أنه لم يقل لوزرائه أيضاً ما هي التسهيلات التي عرضها من أجل تثبيت وقف إطلاق النار.
ويحاول نتنياهو مصالحة وزرائه وإقناعهم بقبول اتفاق وقف النار الذي يعتبره الأفضل بين خيارات مختلفة. ووصف أحد الوزراء كلام نتنياهو بأنه «أحاديث تليين» لا يبدو أنها أقنعت على الأقل وزير الاقتصاد الإسرائيلي زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينت الذي حمل على الصيغة. وقال «هذه مغسلة كلمات خطيرة. هذه خوّة سياسية. ادفعوا لنا، نطلق عليكم الصواريخ لاحقاً. لا تدفعوا لنا نطلق عليكم الصواريخ الآن». ورفض بينت الصيغة التي يجري الحديث عنها لوقف النار، والتي تتضمن السماح بتحويل أموال لموظفي «حماس»، وقال إن هذه متاجرة مع «الإرهاب، وشراء للهدوء مقابل المال للإرهاب». وفي نظره تسمح هذه الصيغة للحركة بترميم قوتها والتعاظم تمهيداً للجولة المقبلة.
كما حمل على الصيغة عضو الكنيست من «الليكود» داني دانون، الذي كان يشغل منصب نائب وزير الدفاع قبل أن يقيله نتنياهو من منصبه. وقال دانون إنه لا ينبغي المتاجرة مع منظمة «إرهابية»، وإن «الصيغة المتبلورة ستسمح لحماس بترميم مكانتها في الشارع، وترميم قدراتها العسكرية التي ستوجه ضدنا لاحقاً عندما يقرر ذلك قادة حماس».
وبعد تجربة الهدنة السابقة تحاول القيادات العسكرية الإسرائيلية توخي الحذر وعدم الوقوع في أخطاء المرة السابقة. ولذلك فإن يعلون أعلن أن العملية لم تنته بعد، رغم تلقي «حماس» لضربة كبيرة. وأشار إلى احتمال أن يستأنف القتال بعد منتصف ليلة الأربعاء، بعد انتهاء هدنة الـ 72 ساعة. وتحاول أوساط عسكرية إسرائيلية أخرى التأكيد أن العمليات لم تنته، والتهديد بضربات عسكرية لم يسبق لها مثيل لتركيع «حماس».