بقلم/ هيفاء داوود الاطرش

يبدو أن بداية الحل داخل سوريا، الذي ستتخذه الحكومة السورية لإخراج المجموعات المسلحة من مخيم اليرموك أو أي تجمع فلسطيني لاحقاً ، هو الحل العسكري المشابه لحالة مخيم نهر البارد في لبنان سابقا؛ هذه المجموعات التي تم الإعلان عن رفضها الخروج من مخيم اليرموك  بعد جهود مضنية من قبل وفد منظمة التحرير وبقية الفصائل الفلسطينية من أجل حل أزمة المخيم خاصة بعد أن آل وضعه هناك إلى الدولة السورية التي ستتحمل مسؤولية متابعة القضية كما أعلن عنه.

 ويجب قبل أي خطوة عسكرية، تأمين سكانه المحاصرين وإخراجهم لمناطق آمنة لحين حل الأزمة وحسم الأمور لأحد الطرفين؛ وأحدس أن لا حسم في ظل تعدد التدخلات الدولية والإقليمية في سوريا.

ويبدو أن التفاهمات الأخيرة التي توصلت لها الدولة السورية هي خطوة تمهيدية من أجل الحسم العسكري قبل انتخابات الحكومة السورية.

 وإن تشديد الحصار على المخيمات والتجمعات الفلسطينية وتردي أوضاعها الانسانية بسبب وقوعها بين فكي الصراع الداخلي السوري لهو كفيل بتشكيل المخاوف المتزايدة لدى اللاجئ الفلسطيني في سوريا بسبب عدم إيجاد حل جذري لها.

 وكذلك الأمر لدى المهجر الفلسطيني من سوريا إذ يتضاءل أمله بالعودة إلى ممتلكاته في سوريا، دون تحقيق أدنى شروط العود ة وهي توفير مناطق آمنة مناسبة وإمكانات لوجيستية  تؤهلهم استئناف الحياة الطبيعية، ودون عدم السماح لأهالي بعض التجمعات المحررة كما تعلن الدولة، رغم تصريحات معنية بقضية اللاجئين الفلسطينيين بأن الأمور تتجه نحو عودتهم، بعد الحسم العسكري لريف دمشق، أومصالحة مفاجئة بين الطرفين.

 وعلى وكالة غوث اللاجئين ومنظمة التحرير الفلسطينية  إيجاد حل سريع لإنهاء معاناة هؤلاء فالأجدر إعادتهم إلى أرض الوطن لحين تحقيق عودتهم إلى فلسطين التاريخية، فهو أحق بهم من دول المهجر؛ أما الحل السريع الحالي والآني بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في سوريا برأيي هو تأمين التجمعا ت الفلسطينية في ظل زيادة استعار النيران، وهي الفترة التي سيحاول كل من طرفي الصراع برهنة قوة تواجده على الأرض .

كما يجب عدم استخدام اللاجئين الفلسطينيين كورقة يضغط بها أحد الأطراف المتصارعة على الآخر وهذه من مسؤولية الأمم المتحدة ، والتي يجب أن تسارع منظمة التحرير الفلسطينية إليها لطرق أبوابها من أجل تأمين الحماية الدولية للمحاصرين الفلسطينيين المدنيين .

أيضا من أحد الحلول الجذرية للانتهاء من إقحام الوجود الفلسطيني في سوريا في هذه الأزمة هو تخلي طرفي الصراع عن الأطراف الفلسطينية المتورطة بالاصطفاف معها وتسليم أسلحتهم للطرف الموالية له، وكل ذلك يصب في وقف النزيف الفلسطيني الحالي .

ومن المتوقع أن اللاجئين الفلسطينيين سيجدون أنفسهم بعد حل أزمتهم الميدانية والإنسانية أمام مشاكل مستفحلة أخرى يصعب حلها تصل حد الشرخ الاجتماعي الذي توالد مع ازدياد الأزمة السورية؛ تلخصت في تورط الطرفين في عمليات القتل من الطرفين ، وجر المخيمات الفلسطينية إلى هذه البؤرة الملعونة والتي وجد فيها اللاجئ الفلسطيني نفسه في سوريا أمام فقده لأفراد عائلته وأصدقائه ومصدر رزقه وممتلكاته التي بناها عبر طول سنين في شتاته القسري، ومن الحلول التي ستقود إلى حل متوقع أيضاً هو وقف قنوات التفاوض المتعددة مع المجموعات المسلحة التي أضعفت وأبعدت الحل الموعود.

أما بالنسبة لوضع المهجرين الفلسطينيين من سوريا سواء إلى الأردن أو لبنان أو أي دولة أخرى فيجب حلها حلاً منطقياً من باب مراعاة حقوق الإنسان، حسب المواثيق الدولية والمعاهدات المرتبطة بهذا الموضوع، خاصة أن مستقبله قد أصبح مهدداً أكثر من وقت هجرته القسرية من سوريا والتي تعدّت السنة ونصف السنة وفي كافة مجالات ألحياة وتعرضه  لانتهاكات كل حقوقه بدءاً من الحدود والقرارات الأمنية التي تتسم بصفة سياسية بحتة وتمنع دخول الفلسطيني القادم من سوريا إلى الدول المحيطة، ومنعه من ممارسة حقوقه المشروعة كلاجئ وإنسان من تعليم وصحة وعمل وغيرها من الاحتياجات الضرورية له ، كذلك إن الشح في المساعدات التي من المفترض تقديمها من الأونروا في بعض دول الجوار والتي لاتتواجد في بعض الدول الأخرى بحكم عدم تواجد الفلسطينيين فيها، ومن المؤسسات الإغاثية ، لهي تصب بالنتيجة وإن لم يكن الأمر متعمداً في خانة التضييق على المهجر لإجباره على الهجرة الخارجية نحو دول الغرب أو إذعانه بسهولة لخيار تلك الهجرة بعيداً عن وطنه فلسطين آلاف الأميال في حال تم عقد مؤتمر دولي يؤدي إلى إخراجه قسراً خارج دول الطوق كما حصل في حالة الفلسطينيين العراقيين، لذلك من الحلول المقترحة هو الضغط على إسرائيل لإدخالهم لأراضي السلطة الفلسطينية فيكون حالهم حال اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين على أرض الوطن لحين  حل قضية اللاجئين حلا عادلاً حسب قرار 194 . وبإمكان القيادة الفلسطينية الاستفادة في هذا المجال من توقيعها مؤخراً كدولة فلسطينية تحت الاحتلال، على الاتفاقيات والمعاهدات والعمل عليها من أجل إيجاد حل للاجئين الفلسطينيين في سوريا والمهجرين منها، ومن ضمنها اتفاقيات جنيف الأربع، والبروتوكول الأول الإضافي للاتفاقيات وهو حماية ضحايا النزاعات المسلحة ذات الطابع الدولي وأعراف الحرب البرية؛ فهؤلاء اللاجئون يعتبرون حكماً من ضحايا النزاعات المسلحة الحاصلة في سوريا، ومن حق دولتهم حمايتهم واللجوء إليها.

 وهناك من يرى أن عودة أكثر من 100 ألف لاجئ من مخيم اليرموك داخل سورية، وأكثر من100 ألف لاجئ آخرين منه ومن تجمعات أخرى موجودين في الخارج من شأنه أن يشكل حلقة ضاغطة باتجاه حل أزمة المخيم وفك حصاره، وتوقف حلقات الاستهداف التي تطالهم من جهات عدة . لكن من الجدير تسجيله أن أكثر من 50 ألف لاجئ فلسطيني هاجروا للدول الغربية والاسكندنافية وينتظرون منحهم الإقامة هناك والباقي مهجر بين مصر وتركيا والأردن  وغالبيتهم في لبنان وقد بلغوا أيضاً 50 ألف لاجئ مهجر، ومنهم أيضاً من يهيّئ نفسه للهجرة عبر البحر إلى الدول الغربية والاسكندنافية، ومنهم من لا يستطيع الرجوع لمخيمات سورية إلا بالعودة الآمنة وعودة الوضع كما كان قبل الأزمة السورية.

ولقد حان الوقت أن نكون صريحين بالقول إن من يلقِ باللائمة على منظمة التحرير وقيادتها واتهامها بعدم قدرتها وعدم إمكانيتها حل أزمة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا رغم محاولاتها الحثيثة دولياً وعربياً وإقليمياً، يتصف  بقصورٍ في النظرة للواقع وللمستقبل، فالجميع يعرف أن كل ما يجري في الوطن العربي هو من ضمن خطط الفوضى الخلاقة الأمريكية التي لم يعد لها حلاً حل واقعيُّ إلا بنهوض عربي إنساني حضاري وثقافي حقيقي يرد المياه إلى مجاريها وإعادة تنقية هذه المياه التي كانت بالأصل موبوءة في عهد الأنظمة العربية السابقة ،وأخطأ من شجع الربيع العربي على التفتح في ذلك الوقت فالأرض لم تكن قد رويت ولم تسمد حتى بشكل كاف،  وأقصد أن الإنسان العربي لم يكن جاهزاً بعد للقيام بثورة حقيقية تأتي أكلها بشكل صحيح ؛ والسنوات التي سبقت تلك الثورات لم تـَبنِ الثائر الموعود ، بل راهنوا على سياسة القطيع التي ستتبعها الشعوب العربية خلف الطليعة المدربة على أن تقود تلك الثورات وما دامت أي ثورة تابعة لأطراف خارجة عن إرادة الشعب فلن تنتصر ولن تتصف تلك الثورة بالنقاء مطلقاً ، وما شاهدناه من تفتيت وتدمير لتلك الدول العربية لهو خير دليل .

لا يزال اللاجئ الفلسطيني في سوريا والمهجر منها قسراً يسير في متاهة الحلول التي لا تريد أن تنهي هذه المأساة المتواصلة مع الأزمة السورية، إن كل ما يجري يأتي ضمن خطط تسريع تشكيل جديد فعلي يستهدف الكينونة الفلسطينية، خاصةً بعد عدة محاولات بإقحام الفلسطينيين ضمن ربيع النظام الجديد الأمريكي لكنها تفشل عندما يتحول كل ذلك إلى ربيع فلسطيني يريد إنهاء الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية والذي لا يزال يزهر كل صباح على أرض الوطن.

إن كل الظروف المحيطة بمفاصل القضية الفلسطينية في هذه الفترة العصيبة من تهويد واستيطان وقتل وتدمير وتهجير داخل الوطن والشتات، ووأد كل محاولات السلام، بالإضافة إلى ممارسة ضغوطات سياسية من أجل إفشال كل عمليات قيام الدولة الفلسطينية على أرض الواقع، وخاصةً ً بعد إعلان المصالحة الفلسطينية، هو حالة مخاض عسير،  يحوّله الشعب الفلسطيني الجبار إلى أدوات طيعة تخدم مصلحته الوطنية العليا في المحافل الدولية .