حديث الرئيس أبو مازن قبل أيام مع أعضاء منتدى مؤسسات السلام في إسرائيل مهم جداً، فلقد صارحهم بحقائق مهمة جداً، وزودهم بمعطيات رئيسية من إفشال الحكومة الإسرائيلية المتعمد للمفاوضات، وصارحهم بأن البديل عن المفاوضات وعن السلام هو خسائر فادحة، بل فادحة جداً للجميع.
من المهم أن يكون لنا صوت لدى الآخر، وأن يكون هذا الصوت محفزاً للحوار الداخلي في المجتمع الإسرائيلي، حتى ولو بدا هذا الصوت خافتاً، وخاصة في هذه الأيام التي نرى فيها المجتمع الإسرائيلي ينحدر أكثر نحو الرواية الصهيونية في مراحلها الأولى، مراحل ما قبل الدولة الإسرائيلية، مرحلة العصابات والمجموعات المتطرفة التي كانت هي صاحبة القرار والفعل على الأرض، وكانت وقتها تفعل الشيء ونقيضه لتثبيت فكرة الدولة اليهودية في بلادنا، وكانت الحركة الصهيونية في ذلك الوقت معتدلة في الأداء السياسي ومتطرفة جداً في الميدان العملي، وافقت على مقترح التقسيم في عام 1937 الذي هو أقل كثيراً من طموحها، ولكنها كانت في الميدان تنشب مخالبها بقسوة في لحم الأرض الفلسطينية، بينما كنا نحن فلسطينياً ضمن حالة الاستيعاب من قبل الدول العربية حولنا، متصلبين سياسياً، ولكننا نعاني من الهشاشة والضعف في الميدان، وهكذا تطور تقسيم عام 1937 إلى تقسيم عام 1947، ثم تطور هذا التقسيم ليكون مع الآخرين وليس مع الطرف الفلسطيني، ثم تطور ذلك التقسيم إلى دفع فاتورة عالية جداً حتى من حصتنا المهيضة في تقسيم عام 1947، وتم تثبيت خطوط الهدنة في عام 1949 دون أي نوع من مشاركة الشعب صاحب القضية وهو الشعب الفلسطيني، وها نحن اليوم في مواجهة حاسمة ضد القفزة الصهيونية الثالثة، وهذه القفزة الثالثة كما تتضح معالمها اليوم هي ابتلاع الضفة، أي لا مكان للشعب الفلسطيني، باعتبار أن الحركة الصهيوينة قامت على قاعدة انكار وجود هذا الشعب الفلسطيني أصلاً.
لابد من إفشال هذه القفزة الصهيونية الثالثة، لابد من تخطيها موضوعياً، لابد من جعل دعاتها من قطعان المستوطنين والمتطرفين الذين هم عماد الحكومة الإسرائيلية الحالية بأن ما يهدف إليه مستحيل، وأن خسائره فادحة وعصية على الاحتمال.
إسرائيل – في هذه اللحظات – لها قراءة خاصة بها لما يدور حولها في المنطقة وفي العالم، فهي تعتقد أن الوضع الداخلي الفلسطيني ضعيف، والوضع العربي مضطرب إلى مدى مفتوح وطويل نسبياً، وكذلك النظام الدولي العربي يواجه استعصاءات شديدة على الصعيد الإقتصادي، وعدم الرهن على أحادية القضية، وإعادة انقسام مناطق النفوذ.
فهل نستطيع في ظل هذه المعطيات التي تستند إليها القوى الإسرائيلية الحاكمة أن نكسر حدة المجتمع الإسرائيلي، وأن نفشل هذه القفزة الصهيونية الثالثة؟
ليس أمامنا من خيار سوى أن نحاول، وأن نخوض المعركة، وأن نحشد كل عناصر القوة الذاتية التي يملكها في هذه المعركة، انطلاقاً من المتغير الرئيسي بأن القوى الدولية الآن أكثر تنبهاً وأكثر تشككاً وانتقاداً للرواية الإسرائيلية، خاصة في هذه اللحظات التي يتزامن فيها التطرف الصهيوني مع إشارات قوية للتطرف وعودة النازية الجديدة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، ذلك أن الحذر الشديد الذي يسود أوروبا وأميركا جراء هذه الإشارات السلبية الجديدة، لا يمكن أن يتجاهل هذا الإرتداد الصهيوني الحاد في إسرائيل.
وبما أننا نجحنا في السنوات الأخيرة في تكريس مصداقية لنا بأننا ضد الإرهاب بشكل عميق، فإن حضورنا في الميدان يجب أن يرتكز على إحراق الأوراق التي كان يعتمد عليها الاحتلال الإسرائيلي في السنوات الأخيرة وأهمها ورقة الانقسام، وهذا ما نستبشر به هذه الأيام، كما يجب أن تتحول المقاومة الشعبية السلمية إلى فعل يومي واسع النطاق، يجب أن نرفع من وتيرة الحوار داخل أطراف المجتمع الإسرائيلي، وأعتقد أن توسيع نطاق المقاومة الشعبية السلمية تساعد بشكل حاسم في زعزعة الثقة لدى تيار المستوطنين الذي أصبح القوة الحاكمة داخل إسرائيل هذه الأيام.
السلام ليس مرادفاً للعجز، بل السلام يجب أن يكون مرادفاً للقوة عبر أشكال جديدة من الفعل اليومي الواسع النطاق.