إن البعد التاريخي الروائي للنكبة يتجدد اليوم ليظهر في ثوب السياسة الفضفاض، وليتمحور حول ادعاءات "يريدون فرضها كحقائق" تتمثل بشقوق ثلاثة :أولا بإقناع العالم بالشعارات والمرويات الصهيونية-التناخية القديمة والحديثة، وثانيا بأسطورة "شعب إسرائيل" العائد من المنفى إلى وطنه، وثالثا بانطباق  جغرافيا فلسطين على التاريخ القديم.

 بالشق الأول تظهر التحريفية والأباطيل من خلال سبعة أكاذيب أساسية يرددها كثير من الساسة الإسرائيليون والغربيون المستكبرون فيما هو سياق تناخي (التوراة و ملحقاتها) في عبارات ومصطلحات :1-حرب "التحرير" الصهيونية، و2-العودة لأرض الأجداد ما يؤصلونه بقانون الهجرة إلى فلسطين لأي يهودي من أي عرق في العالم، و3-الوعد الإلهي المكذوب لهم بالبلاد، وكأن الله مسجل طابو،[1] و4-يهودية ونقاء الدولة المستمدة فكرا من ثقافة نفي الآخر وقتله وعدم الاعتراف بوجوده أصلا ، و5-ادعاء ممالك/إمارات/مشيخات موهومة في "يهودا والسامر"ة التي ليست هنا، وقامت هناك وبادت وهم أصلا لا يمتّون لها بصلة بل هي ممالك عربية ، وما يترافق معها من 6-إدعاء إقامة ما يسمونه "الكومنولث الثالث" على أنقاض القدس والمسجد الأقصى، حيث أن "الهيكل الأول والثاني أصلا ليس هنا[2]

 وسابعا أكذوبة "الشعب" وأكذوبة "الشعب المختار" [3]، فلم يكن هناك شعب مطلقا بل قبائل متعددة، وما اختير بني إسرائيل القبيلة المنقرضة-الذين اليوم ليسوا منهم مطلقا-إلا بأن خصهم الله واختارهم وفضلهم بمهمة حمل الرسالة الإسلامية رسالة الأنبياء، ولم يصونوا الأمانة وما أولئك بذوي علاقة بمن يسكن فلسطين اليوم ...

والشق الثاني هو فشل محاولاتهم لموضعة الأساطير التناخية على جغرافيا فلسطين التي ثبت بالدليل القاطع علميا وآثاريا إن ما صح منها من روايات -في كثيرها محرف- وإن حصلت فهي في مسرح جغرافي آخر من بعيد جداعن فلسطين.

وفي هذا الصدد يأتي الإنكار الإسرائيلي الشديد اليوم لصناعتهم "للنكبة" حيث الخشية الشديدة من تبعاتها المتعلقة باللاجئين، ويهربون إلى أساطير التوراة تارة، كما يهربون لقضايا نظرية وتفسيرات معوجة مقصودة تارة أخرى لغرض أوحد هو استمرار الاحتلال ونسف الذاكرة، واليكم ما قاله نتنياهو كنموذج خلال جلسة الحكومة الأسبوعية (18/5/2014) حيث زعم ( أن من يرى بإقامة "إسرائيل" نكبة وكارثة غير معني بالسلام.)

أما الحقيقة الثالثة أو الشق الثالث فهو إن (إسرائيل) اليوم لا علاقة لها مطلقا بإسرائيل النبي، أو ببني إسرائيل القبيلة الصغيرة العربية المنقرضة، كما لا علاقة لها البتة بأرض فلسطين التي سكنها العرب منذ فجر التاريخ على كافة أديانهم و قبائلهم، ولم يسكنها غريب أبدا أكان روميا أويونانيا أو غيره ، إلا كان مصيره أن اندحر أو أصبح  عربيا

 وما صناعة (إسرائيل) اليوم إلا لتحالف الحركة الصهيونية مع الغرب الفكر الاستعماري، وأيضا نتيجة سلبية للانشقاق الكنسي في أوربا، وما تلاه من تشبع بالرواية التوراتية عبر مفسري التوراة الغربيين المتشبعين بالعقلية الاقصائية الاستكبارية الذين صمموا بناء جديد منذ القرن التاسع عشر يشير لفلسطين كموطن مخترع للاسرائيليين، ويعمل على الربط التعسفي بين مرويات التوراة الأسطورية وحلم العقل الأوربي الاستعماري المريض بطرد اليهود من أوربا وموضعتهم في فلسطين.