اعترفت فلسطين بحق إسرائيل في الوجود عام 1988، لكن الحكومة الإسرائيلية تطالب الفلسطينيين بالتنازل عن حقه في الوجود ونكران الأهوال التي حلت به عام 1948.

يصادف اليوم ذكرى النكبة أو الكارثة – وكلمة واحدة لا تكفي لوصف تلك الفاجعة، كما أن يوم واحد غير كاف لإحياء تلك الذكرى الأليمة.

تحتاج إسرائيل اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التصالح مع الأهوال التي سببتها عام 1948 والاعتراف بها، وذلك عن طريق وضع حد لإخضاع الملايين من الفلسطينيين واضطهادهم بدلا من إنكار حقهم في الوجود وإضفاء الشرعية على اضطهادها لهم. فالسلام يأتي فقط عبر العدالة والمصالحة.

ومثل هذا اليوم عام 1948 طردت إسرائيل قسرًا وشردت نحو 750,000 فلسطينيًا من منازلهم واراضيهم. وتعرض كثير من الفلسطينيين آنذاك إلى مجازر وحشية، وهرب الكثير منهم خوفًا على حياتهم. وعدا ذلك تمكن القليل منهم من البقاء فيما أصبح يُعرف لاحقا بإسرائيل. عانى الشعب الفلسطيني بأكمله، واليوم بعد مرور 60 عامًا على النكبة ما يزال يعاني من وطأة الاحتلال.

والنكبة هي قصة الخوف والترهيب، شخصياتها الحرمان والاضطهاد، وحبكتها واقع أليم لا نهاية له.

واليوم في القدس المحتلة تقوم السلطات الإسرائيلية بإخلاء العائلات الفلسطينية من منازلها مدعية أن تلك المنازل كانت ملك لعائلات يهودية قبل عام 1948، في حين تمنع الفلسطينيين من العودة إلى منازلهم في القدس الغربية التي سكنوها قبل عام 1948.

وفي غزة – واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم – يقطن 1.2 مليون لاجئ فلسطيني يطلون على المناطق المفتوحة جنوب إسرائيل. وفي مسقط رأسي مدينة أريحا يوجد مخيمين إثنين للاجئين حيث يعيش آلاف الفلسطينيين قي ظروف بائسة. وفي العام 2014 توفي العديد من الأطفال الفلسطينيين في مخيم اليرموك للاجئين في سوريا.

وتستمر إسرائيل التي تدعي أنها دولة ديمقراطية بحظر سكان قريتي إقرت وبرعم، وهما قريتان مسيحيتان تقعان في الجليل، من العودة إلى أراضيهم على الرغم من القرار الصادر عن المحكمة العليا الإسرائيلية بهذا الخصوص.

وليس هذا المثال الوحيد عن الاضطهاد داخل إسرائيل. فمشروع "قانون الجنسية" الذي دعا إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والذي يعتبر إسرائيل دولة لليهود فقط ما هو إلا واحد من سلسلة طويلة من القوانين العنصرية التمييزية ضد خُمس السكان الأصليين في إسرائيل. وهذا المشروع يحتوي على قائمة من القوانين التي لا تحث فقط على التمييز ضد مواطني إسرائيل الذين ينتمون لجماعات دينية وإثنية مختلفة بل تضفي عليه أيضًا صبغة قانونية.

وفي هذه الأثناء، وعلى الأرض التي إحتلتها إسرائيل خلافا للقوانين والأعراف الدولية في العام 1967، يستخدم المستوطنون والجنود الإسرائيليين وسائل مماثلة لإرهاب الفلسطينيين وإجبارهم على الرحيل من منازلهم واراضيهم.

لا يقل الوضع في الضفة الغربية عن كونه تمييز عنصري، وغزة تئن تحت نير حصار ظالم. وما يزال الفلسطينيون داخل فلسطين أو خارجها ينتظرون العودة ومفاتيح منازلهم في أياديهم بعد انتظار طال أكثر من 66 عامًا.

إعترفت فلسطين بحق إسرائيل في الوجود منذ عام 1988، ونحن لا نطالب بألا تكون اللغة العبرية اللغة الرسمية في إسرائيل كما لا ندعو بألا تكون الأعياد اليهودية أعيادًا رسمية. ليس من حقنا تحديد طبيعة الدولة الإسرائيلية.

لكننا في الوقت نفسه لا نسمح بتصوير الفلسطينيين على أنهم مهاجرين أو متطفلين في وطنهم. كنا هنا في العام 1948 وقبل ذلك بقرون عديدة – مسلمين ومسيحيين ويهود – كنا جميعًا فلسطينيين. فمجرد التفكير بدولة يهودية خالصة يترتب عليه بالضرورة إنكار النكبة، فالدعوة إلى يهودية الدولة ينقل لنا رسالة مفادها "أن هذه الدولة لنا، وأنتم أيها الفلسطينيون موجودون فيها مؤقتًا، ووجودكم غير قانوني". وهذه طريقة من شأنها أن تدعونا لحرمان شعبنا من الوجود وإنكار الإرهاب الذي تعرضوا لهم عام 1948. ينبغي ألا يُطلب من أي شعب القيام بذلك.

لن نتواطأ مع هيمنة جماعة إثنية دينية على اخرى. ولن نرضى بحرمان الشعوب من حقوقها الإنسانية الأساسية.

وبدلا من تحمل مسؤوليتها التاريخية، وبدلا من الاعتراف بالولادة العسيرة لدولة إسرائيل والتعامل معها، تحاول الحكومة الإٍسرائيلية بمحو ذلك من التاريخ.

وفي إسرائيل يحظر القانون حتى إحياء ذكرى النكبة. وإن استطعنا محو الرواية التاريخية يسهل علينا محو شعب بأكمله. وتتخذ الحكومة الإسرائيلية الحالية خاصة تدابير استثنائية لتحقيق ذلك. فلا عجب إذًا أننا لم ننجخ في التوصل إلى إتفاق حتى اللحظة!

واليوم نحيي ذكرى اولئك الذين فقدوا حياتهم سعيًا وراء الحرية والكرامة على يد مضطهديهم. وعلى الرغم من ذلك، فنحن مستعدون للعيش جنبًا إلى جنب بسلام مع جيراننا الإسرائيليين. ونأمل من الإسرائيليين وحكومتهم التحرك بهذا الاتجاه.

في هذه المرحلة لا نعرف ما يخبئه لنا المستقبل من حيث إيجاد حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. لكننا متأكدون من أننا باقون على هذه الأرض.


*الدكتور صائب عريقات عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس الوفد الفلسطيني المفاوض.