تحقيق/ امل خليفة- رام- الله فلسطين

تتواصل جهود السلطة الوطنية الفلسطينية في تطبيق القرار الخاص بحظر التعامل مع منتجات المستوطنات الاسرائيلية وتحويل الضفة الغربية منطقة خالية من هذه البضائع، لذا قامت المؤسسات الرسمية والشعبية بعدة حملات توعية للمواطنين واصدار دليل يوضح أماكن انتاج هذه البضائع وأسماءَها وحملات تكريم للتجار الخالية محلاتهم من بضائع المستوطنات،اضافة الى مصادرة واتلاف البضائع التي يتم ضبطها في أراضي السلطة الوطنية وتحويل أصحابها الى القضاء حسب نص القرار الذي أصدرته الحكومة الفلسطينية وصادق عليه الاخ الرئيس أبو مازن لأعطاء الموضوع الزخم الذي يستحقه.

 

جهود رسمية وشعبية حثيثة وحملات توعية

الأخ عبد الحميد مزهر/ مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني : "جهود وزارة الاقتصاد الوطني ومؤسسات السلطة الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني والأطر الشعبية في حملة مكافحة بضائع المستوطنات الإسرائيلية بدأت منذ العام 2005 وذلك من خلال استصدار قرار من مجلس الوزراء لمكافحة وحذر منتجات المستوطنات الإسرائيلية وبمباركة من سيادة الأخ الرئيس محمود عباس أبو مازن، أخذت الوزارة على عاتقها تفعيل هذا الملف وإعطاءه الزخم الحقيقي الذي يستحق واستطاعت خلال العام الماضي 2010 من تحقيق قفزات نوعية تمثلت أولا في إطلاق الوزارة لمبادرة اسمتها صندوق الكرامة والتمكين حيث ساهمت في الصندوق المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني بمبالغ محددة من الأموال والتبرعات العينية لرفد جهود المؤسسات لمكافحة بضائع المستوطنات، على إثر ذلك قامت الوزارة باستحداث قانون صادق عليه الرئيس في شهر نيسان الماضي لحذر ومنع تداول بضائع المستوطنات، بدأت الوزارة بعد صدور القانون بعدة حملات كان أهمها " حملة من بيت إلى بيت " تطوعت فيها كوادر كبيرة من أبناء الشبيبة في الجامعات والمعاهد الفلسطينية استطاعوا خلال فترة بسيطة أن يطوفوا جميع البيوت في الضفة الغربية، ووزعوا قانون مكافحة بضائع المستوطنات الإسرائيلية والدليل الذي أصدرته الوزارة لتعريف المواطنين ببضائع المستوطنات، تبع ذلك حملة أخرى هي حملة  "صون الكرامة " التي طالت جميع المحلات التجارية وعلى إثرها تم إعطاء المحلات التجارية الخالية من بضائع المستوطنات الإسرائيلية وسام الكرامة وسبق هذه الخطوة حملة إعلامية جابت كل محافظات الوطن ومن خلال جميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة.

 

موقف صعب ومحرج لي في العام 2005

المواطن اياد لدادوه يتحدث عن موقف حصل معه جعله يقاطع كل ما هو اسرائيلي" قاطعت بضائع المستوطنات قبل أن تبدأ الحملة الوطنية لمقاطعة بضائع المستوطنات، وتقريبا منذ خمس سنوات فأنا لا أحب شراء البضائع الإسرائيلية وذلك لدعم الاقتصاد الوطني والحقيقة أن مقاطعتي للبضائع الإسرائيلية جاءت بعد أن دعوت مجموعة من التربويين من فرنسا إلى المركز الذي أعمل فيه، وقدمت لهم وقتها عصيراً فرفضوا أن يشربوه لأنه مصنوع في إسرائيل وقالوا لي أنهم لا يشترون المنتجات الإسرائيلية سواء كانوا في فرنسا أو في فلسطين، بالطبع كان الموقف صعباً ومحرجاً لي وهذا كان في العام 2005 فمنذ ذلك الحين قررت أن لا أشتري البضائع الإسرائيلية بشكل عام وليس فقط المصنعة في المستوطنات ". موضوع المقاطعة ليس سهلا فجودة المنتج الإسرائيلي معروفة والثمن يكون أحيانا أرخص من المنتج الفلسطيني ، ولكن المنتج الفلسطيني مع مرور الأيام تحسن وبدأ ينافس المنتج الإسرائيلي إضافة لوجود البضائع العربية والأسيوية والأوروبية التي تخفف من العبء ومن المقارنة وتفتح المجال للبدائل والخيارات ويكمل لدادوه حديثه" وفي النهاية لن نموت من الجوع اذا قاطعنا المنتج الإسرائيلي برأيي أن المشكلة تكمن في أننا تعودنا على المنتج الإسرائيلي بحكم الاحتلال، وكذلك لعقدة أن الإسرائيلي أفضل، ولكن بصراحة وحتى لا نهضم حق صناعتنا الوطنية أقول بأن هناك الكثير من المنتجات الفلسطينية التي بدأت تغطي النقص في السوق وبجودة ممتازة وفي كثير من المجالات خصوصا منتجات الألبان والعصائر والسكاكر وغيرها من الصناعات الغذائية، ولكن هناك بعض المصانع الفلسطينية التي تحتاج إلى تحسين جودة منتجاتها، وهنا يأتي دور السلطة الوطنية الفلسطينية في الرقابة على المصانع والشركات، ودور رجال الإعمال الفلسطينيين ورؤوس الأموال الفلسطينية والعربية للاستثمار في فلسطين لتقوية الاقتصاد الفلسطيني الفتي وصولا إلى الاستقلال وإقامة الدولة، الكل الفلسطيني يقدر على المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية وهو جزء من الانتماء ومن المواطنة الحقيقية فالجميع ملزم بتشجيع الصناعة الوطنية ودعم المصانع والمؤسسات الفلسطينية لتقوية اقتصادنا بدل من أن تذهب أموالنا للمصانع الإسرائيلية ".

بالرغم من أن الالتزام بمقاطعة بضائع المستوطنات الاسرائيلية ليس بالسهل ومربك أحيانا للمواطن الفلسطيني الا أن الانتماء والمواطنة تفرض علينا ممارسة هذه القناعة لتكون جزءاً من ثقافتنا وتربيتنا لأولادنا هكذا تحدثت المواطنة أمل الأحمد قائلة" معظم ما أحتاجه لبيتي من منتجات أجده في المنتج الفلسطيني أو العربي وان لم أجد فالأوروبي أو أي منتج آخر عدا الإسرائيلي، لا أستوعب من يشتري البضائع الإسرائيلية وفي نفس الوقت يريد دحر الاحتلال ويطلب الاستقلال, صحيح أن البديل والمنتج الفلسطيني لا يضاهي كل المنتجات الإسرائيلية من حيث الجودة والثمن، فهذا أكيد لأننا مازلنا تحت الاحتلال ومصانعنا فتية مقارنة مع مصانع إسرائيل المقامة منذ أكثر من ستين عاماً وأحيانا يكون المنتج الإسرائيلي أرخص من غيره بحكم أننا أقرب مستهلك لإسرائيل، وهذا الأمر يربكني ويكلفني الكثير ماديا".

ولكن المبدأ هو المقاطعة ودعم الصناعة الوطنية لذا على أصحاب المصانع الفلسطينية الاهتمام الدائم بالجودة والنوعية وأن يحسنوا من أنتاجهم حتى يشجعوا المواطن الفلسطيني على الإقبال على منتجاتهم وعدم ترك حجة للمستهلك ليقارن المنتج الفلسطيني بالمنتج الإسرائيلي من حيث الثمن والجودة وبقية المقاييس المتبعة. وتؤكد أمل أن الموضوع قناعة:" أنا شخصيا أقاطع البضائع الإسرائيلية بشكل عام وأكيد بشكل خاص المنتجات التي تصّنع في المستوطنات، لأننا بشرائنا للمنتجات الإسرائيلية  يعني دعم المستوطنات المقامة على أراض فلسطينية مصادرة من قبل اليهود فكيف أدعمهم !! بمعنى آخر كأنني أدعوهم وأساعدهم على أن يستوطنوا أرضي وان يعيشوا مكاني هذا أولا، وثانيا هي ثقافة أعلمها لأبنائي بأن هذا الإسرائيلي هو عدو لي ولا يجب أن أدعمه، وثالثا لدعم الصناعة الفلسطينية التي بدونها كيف سيكون لنا وطن واقتصاد وطني قوي يدعم ويساهم في بناء الدولة المنشودة التي ستستوعب أبناءنا وشبابنا ".

 

التجهيز والتخطيط قبل إصدار القرارات

بالرغم من أن قرار المقاطعة سياسياً كان  او اقتصادياً يعود بالنفع على السلطة الوطنية الفلسطينية الا أن هناك فئات قد تتضرر نسبيا من هذا الامر كما يقول العمال الفلسطينيون الذين يعملون في هذه المستوطنات منذ عقود حيث وضح العامل موسى فراج:" قرار مقاطعة بضائع المستوطنات جيد ومفيد للسلطة ويؤثر كثيراً في اقتصاد إسرائيل وخصوصا المستوطنات ولكن من ناحية ثانية هو يضر بنا نحن العمال الفلسطينيين الذين نعمل في المستوطنات، أنا أعمل في مصانع المستوطنات منذ أكثر من 18 عاماً أي قبل قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وهذا ليس ذنبي، نحن تحت الاحتلال منذ عشرات السنين ومع احترامي لقرار السلطة بمنع العمل في المستوطنات هل وفرت السلطة للعمال البديل، أتقاضى كعامل ما بين 35-45 دولاراً يومياً من خلال عملي في المستوطنات أما في أراضي السلطة اذا توافر العمل- وهذا ليس بشكل دائم- فالأجر يتراوح ما بين 15-20 دولاراً يوميا أو البديل أن نحّول إلى صندوق البطالة التي يصرف لنا 280 دولاراً شهرياً وهي أيضا ليست بشكل دائم، فتخيل ماذا ممكن أن أفعل بهذا المبلغ!! هل أسدده لإيجار البيت؟ أم أجور للكهرباء والماء؟ و ما يتبقى لدي من راتب البطالة لا يتعدى 50 دولاراً لا تكفي لمصاريف البيت أكثر من أسبوعين في أحسن الأحوال، ماذا أفعل في باقي الأسبوع؟ وماذا يمكن أن أعطي أولادي وزوجتي؟ كيف يمكن أن أصمد بدون عمل؟، قرار المقاطعة  سوف يؤثر على مستوى الدخل لنا وعلى مستوى المعيشة ، هل لدى السلطة مصانع كافية لتستوعب العمال أشك في ذلك؟ ".

 

كنس المستوطنات الإسرائيلية واعطاءالفرصة لمنتجاتنا الوطنية

أحد أهداف هذه الحملة أولا الهدف السياسي المتمثل في كنس المستوطنات الإسرائيلية من المجتمع الفلسطيني، هذا السرطان الاستيطاني الذي يقف عائقاً أمام تحقيق الحلم الفلسطيني بالإضافة إلى أهداف أخرى أهمها يتمثل في توفير فرصة تسويقية لسلعنا ومنتجاتنا الوطنية لتشكل حصة الأسد من سلة المستهلك الفلسطيني يستدرك مزهر: "حسب تعريف القانون يحذر على أي مواطن فلسطيني أن يقدم أي منفعة للمستوطنات الإسرائيلية، وعمليا أخّـرنا تنفيذ هذا العمل لإعطاء الفرصة للمؤسسات الأخرى لأخذ الجهوزية الكاملة لاستيعاب العمال الفلسطينيين الذين يعملون في المستوطنات الإسرائيلية، وهناك مبادرات لدى هذه المؤسسات لإنشاء صناديق خاصة لهؤلاء العمال، وحسب ما هو مخطط له مهمة هذه الصناديق توفير العمل لجميع العمال والبالغ عددهم 35 ألف عامل ودفع تعويضات مالية لهم بحيث تمكنهم من الاستغناء عن العمل في مصانع المستوطنات، وهذه المحاولات في مراحلها الأولى، و بمجرد إقرار القانون كنا حريصين جدا بإعطاء فرصة للجميع للمستهلك والتاجر للتخلص وتصريف البضائع الموجودة لديهم، وبعد إعطاء المهلة وإعلان انتهاء الوقت المخصص تم بعد ذلك حملة لمصادرة وإتلاف أي بضائع يتم إيجادها داخل حدود أراضي السلطة الفلسطينية، و تحويل العديد من الملفات إلى النيابة العامة الفلسطينية بحق المخالفين لكي يأخذ القانون مجراه.

 

ترحيب فلسطيني من قبل التجار وأصحاب المصانع الغذائية

من جانبهم رحب أصحاب الشركات الغذاية الفلسطينية وأصحاب المصانع بقرارالسلطة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة موضحين أهمية مواصلة الجهد وتضييق الخناق على من يتعامل مع هذه البضائع يقول أمجد سعادة/ صاحب شركة تجارة عامة:" قرار السلطة الوطنية الفلسطينية بحذر التعامل مع منتجات المستوطنات وان جاء متأخرا إلا أنه ايجابي ومفيد لنا نحن أصحاب المصانع والشركات المصنعة الفلسطينية، نحن ندفع التراخيص ورسوم تشغيل وتأمين للسلطة الفلسطينية ونشغّـل عمالاً وموظفين فلسطينيين ونستورد وندفع الرسوم والاشتراكات والإيجارات وأثمان الكهرباء والماء لمؤسسات السلطة، في حين أن البضائع المستوردة من قبل المستوطنات والتي تباع في السوق الفلسطيني معفية من الضرائب الإسرائيلية بالنسبة للمستوطنين وقريبة على السوق الفلسطيني وتنتج بأيد عاملة رخيصة نسبيا لما هو في الداخل الإسرائيلي وهذا كله بتشجيع من إسرائيل لمستوطنيها للبقاء، و بصراحة هذه البضائع وبجزء كبير منها منافس لنا نحن الفلسطينيين- لأنها مدعومة من قبل دولتهم - ويتم تقديم المساعدات لهم سواء الفنية أو المادية مقارنة معنا، إضافة إلى أن قسماً كبيراً من منتجات المستوطنات تدخل بالتهريب إلى أراضي السلطة الفلسطينية يعني بدون فواتير ومقاصة وضرائب فكلا الطرفين مستفيد من التهريب و التجار ومؤسسات السلطة المتضرر الأكبر من عمليات التهريب لهذه البضائع، فالقرار بالمقاطعة جدا مفيد وهو صدر منذ فترة طويلة وللحقيقة كانت المبادرة من الأطر الشعبية ومن الفصائل الفلسطينية قبل أن يصدر من الجهات الرسمية ومن الحكومة الفلسطينية، ولكن وبسبب الوضع الفلسطيني والانتفاضة والحصار والعملية السياسية ككل تأخر تأثير القرار على الأرض، والان بدأنا نشعر بايجابيات القرار أكثر، حيث بدأت مبيعاتنا تزداد و بدأ الطلب على منتجاتنا يزداد سواء من تجار الجملة أو من البيع المباشر للمستهلك في معارضنا، بالتالي سينعكس هذا الأمر على استمرارنا في العطاء وعلى جودة منتجاتنا. وهناك حملات توعية كبيرة تقوم بها السلطة لتوعية وتحذير المواطن والتاجر من التعامل مع البضائع المنتجة في المستوطنات وأخطارها على الاقتصاد الفلسطيني إضافة إلى أخطارها الصحية ".

 

صعوبات في التمييز ما بين منتجات المستوطنات والمنتجات الاسرائيلية

ولصعوبة السيطرة على حدود أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية نتيجة الوضع السياسي القائم، وصعوبة التفريق بين ما هو منتج في اسرائيل وما هو منتج في المستوطنات الاسرائيلية الا أن الجهود ما زالت مستمرة من قبل المؤسسات الرسمية كما وضّـح مزهر:" ومن أهم المعوقات التي نواجهها صعوبة التحقق من بعض المنتجات لأن الإسرائيليين يعلمون تماما بقرار السلطة بالمقاطعة لهذه البضائع، وبالتالي بدأوا باللجوء إلى وسائل عديدة لمنعنا من التحقق  من هذه البضائع وليساعدوا  المستوطنين على الغش، فليس من السهل علينا كأجهزة تنفيذية من التحقق من مصدر السلعة هل هي منتجة في مستوطنة أم داخل إسرائيل، الا أن الحملات التي قمنا بها من وجهة نظري لاقت نجاحاً كبيراً بسبب تفاعل أبناء شعبنا وبكل أطيافهم السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والأطر الشعبية مع هذه الحملات، وفي البداية واجهتنا صعوبات تمثلت في صعوبة تمييز المواطن للبضائع المنتجة في المستوطنات وبناء عليه تم إصدار الأدلة التي توضح أسماء المنتجات وصورها أحيانا وأماكن صنعها، وهناك تفاعل ايجابي وجيد ما بين المؤسسات الحكومية سواء الضابطة الجمركية ودائرة حماية المستهلك والصحة والزراعة و الأجهزة الأمنية والمحافظات،  الكل تفاعل بشكل جيد مع هذه الحملة بالإضافة إلى الأطر الشعبية وحملات المتطوعين التي شكلت رافعة لهذه الحملات ".

  الكثير من هذه البضائع تنتج بدون رقابة وبعيدة عن المواصفات والمقاييس الصحية ويصعب التحقق من المواد الأساسية التي تصنع منها البضائع الاسرائيلية كذلك سهولة التلاعب في تاريخ الإنتاج والصلاحية واستمرار بعض ضعاف النفوس من التجار الفلسطينيين الذين مازالوا يتعاملون مع هذه البضائع نتيجة الربح الكبير الذي يجنونه من وراء التهريب و ذلك لصعوبة السيطرة على حدود أراضي السلطة نتيجة تداخل أراضينا مع إسرائيل ولكن نأمل في القريب أن يتم الانتهاء كليا من هذه المسألة، وأن تقام الدولة الفلسطينية المستقلة التي بها ستكون أوضاعنا أفضل والفائدة أكبر وللجميع.