بقلم/ عضو المجلس الثوري المحامي لؤي عبده

طوال القرن الفائت، اعتمد الشعب الفلسطيني أشكالا نضاليةمنذ الحرب العالمية الأولى، وبدء الغزو الصهيوني لفلسطين. الكفاح الجماهيري، من تظاهرات،وإضرابات عامة، واحتجاجات ومن ثم كفاح مسلح، عمليات نضالية مباشرة ضد الأهداف الصهيونية،وقوات الإنتداب البريطاني، واشتباكات، وتشكيلات فصائلية ومجموعات وغيره.

والنضال السياسي المحلي الدولي، سواء عبر الضغط والحصولعلى وعود لإنهاء الصراع في فلسطين، أو معاهدات أبرمتها دول كبرى فيما بينها، كان مصيرالصراع فيها أو شيء من هذا القبيل، إنتهاءً بما ورد في قرارات الأمم المتحدة بعد الحربالعالمية الثانية وتقسيم فلسطين إلى كيانين "دولتين" عربية وإسرائيلية، والقدسوبيت لحم ولاية دولية .. بموجب القرار الذي حمل رقم 181 وبعد ذلك القرارات التابعةالأخرى سواء التي خصت اللاجئين الفلسطينيين أو غيرها.

لكنها قرارات لم يجري تنفيذها، وبقيت رهنا لموازين القوى،وانحياز تلك الدول المهيمنة لصالح إقامة دولة إسرائيل، والالتفاف على الحق الفلسطينيومصيره إلى يومنا هذا.

حركة فتح استخلصت فكرتها من تاريخ النضال الوطني الفلسطينيوالأشكال التي اتبعها شعبنا لمواجهة الغزوة الصهيونية، برعاية دعم الاستعمار البريطاني،والفرنسي وتحالف الأمريكي معها، وجمعت تلك الأشكال طبقاً لمفاهيم ومنطلقات وبرنامجسياسي، ووضعت شعارها الذي دعا أن العودة طريقه الوحدة في مقدمة ذلك. والبنادق كل البنادقنحة العدو المركزي. حققت من خلاله أي مجموع هذه المفاهيم النضالية عودة الهوية الوطنيةالفلسطينية والعامل الفلسطيني إلى الخارطة السياسية وطنياً، وعربياً، ودولياً.

وانخرطت هذه الحركة في منهج السياسة الرسمية عبر (م.ت.ف)،وتنازلت عن كل شيء لمقولة المصلحة الوطنية العليا، وأبقت على مفاهيمها وتشكيلاتها لتصبجميعها في الإطار العام، وما فيه مصلحة القضية الفلسطينية. وهذا ما لم يتحلى به الغير،من أصحاب التجارب الرفيقة، والزميلة، على ساحة العمل والنضال الفلسطيني.

وتكرر هذا المفهوم، مع مرحلة تأسيس السلطة الوطنية التياقيمت على مساحات محددة في الوطن المحتل. أبرزها، المدن وبعض المخيمات السكانية، طبقاًلما جاءت به مفاوضات أوسلو وما تلاها.

هذا الانتقال الدراماتيكي للحركة كان قد أحدث تحولاتعميقة وتناقضات صاخباً، بين ما كان يطرح، وما أصبح يفرض على أرض الوقع. وإنشاء كيانيةجديدة تتراوح ما بين نموذج الماضي على أرض الغير وتحت مظلة (م.ت.ف) سواء في مجال القواتأو المؤسسات، والأطر الممتدة من الوطن المحتل إلى أماكن الشتات، التي كان لها وظيفتهاالسياسية والاجتماعية، من أجل الحفاظ على الوجود والتواصل وديمومة النضال الوطني مهماكانت الظروف وموائمة ذلك معها.

فتح وفصائل الثورة، وبعد مضي أربعة عقود من النضال الدامي،حملت في طياتها، كل التناقضات الاجتماعية والثقافية، والتباين بين التجارب والسلوكوالمفهوم، عما كان موجوداً وفاعلاً وقائماً في المجتمع الفلسطيني داخل الوطن المحتل،مما أحدث بفعل ذلك صراعاً خفياً وظاهراً أحياناً.

ومع طريقة العمل والمأسسة الجديدة، أي الانتقال من بنيةإلى بنية أخرى ( بنية السلطة )، ظهرت تلك التناقضات على السطح، وبدأ التسارع على الإمتيازات،ومواقع النفوذ في الكيانية الجديدة، وبطبيعة الحال سقط الكثير من تلك المفاهيم الوطنيةالنضالية، بل والأعراف ليحل مكانها لغة لم تعتد عليها قوى المجتمع، ألا وهي اللغة البرغماتيةفي الأداء والعمل.

ومع حالة التشرذم الإستنكافية وردود الأفعال، وكما ذكرسابقاً "الصراع على جلد الدب قبل اصطياده" حتى أن قوى الإنتاج ووسائله، وتحولاتهالاجتماعية والإحتكار، والنفعية، والفئوية، والجهوية وطرائق وأساليب متعددة جلبت فحوهفي المفهوم، والعلاقة مع الجماهير، وآليات التعامل مع سلطات الاحتلال القائم والمستمرالتي لم يتغير فيها الشكل، ودخل الجميع في متاهة وفوضى الاجتهاد، والاختيار، وشغف المراتبيةوتوزيع المصالح. وكل هذا وغيره، كان ومازال تحت مرأى الاحتلال وأجهزته ومؤسساته العداونية،وكذلك تحت مرئى ومسمع الآخرين في الوطن العربي والعالم.

وحتى أبناء الجلدة الواحدة، لم يكترثوا لما ستؤول إليهالمجريات والوقائع الذي تم توظيفه واستغلاله، رغم الرواية التي رواها الكثيرون من هذاالخليط، والتعدد الثقافي والمفهوماتي.

وأسقط على الواقع الكثير من المصطلحات والمفردات كانمنها، "فتح السلطة، والسلطة فتح" "الحزب الحاكم" و " التحولإلى حزب "، " التنازلات "، " التنسيق الأمني ما بين السلطة وسلطةالاحتلال " " واتفاق باريس وما جليه من قيود على الاقتصاد الفلسطيني، وتقريرالمصير " و " سياسة الدول المانحة "، و " المشاريع المشتركة ".

كل هذا وغيره أدخلنا في حروب نفسية وإعلامية راح منخلالها العدو الرئيسي للشعب الفلسطيني إلى تشويه صورتنا الوطنية، والنضالية. ثم توظيفكل تلك الظواهر المشينة والموجودة في دول العالم ومجتمعاتها، توظيفاً تحطيمياً لتحقيقحالة من عدم الثقة في المجتمع للقضاء على الحلم الوطني بالحرية والاستقلال، وإخضاعنالنظرية الإحتواء وتكريس الاحتلال، وإسقاط مشروع الدولة المستقلة.

وللأسف إن النهج وأشخاصا وبعضا من الذين خرجوا عن السربلتحقيق مصالحهم بالنفوذ والهيمنة وسلة الإمتيازات تعاونوا مع أجهزة الاحتلال لتحقيقغاياتهم النفعية، من أجل تحقيق المخطط الرئيسي بضرب مفاهمينا بالثورة، وضرب حركة فتحوالنضال الوطني، ومفاهيم تحقيق الاستقلال وتحرير القدس في الوعي الوطني النضالي، فتسربنهج التخريب، ووصل الإختراق السياسي والأمني إلى الذين نزلوا عن جبل أُحد، معتقدينأن المعركة قد انتهت، وآن الآوان لجمع الغنائم.

لقد كان الصراع، من داخل طريق التسوية، أصعب بكثير منتلك الذي كان في طريق الكفاح المسلح والثورة طريق نحو الحرية.

هل الصراع على السلطة والمال؟ ولمن السلطة؟ ولمن المال؟بهذا كله انتقلت فتح لتتجاوب مع ضرورات مرحلة الصراع الاجتماعي، والديمقراطي. والتحولبالموجود والمفهوم، وربما النهج.

لكن الحقيقة يجب أن تقال؛ مهما كان الواقع المفروض ومحاولاتالاحتلال بتكريس ذاته بالاستيطان والتهويد بقيت حالتنا حالة "تحرير وطني"،ومازال الصراع قائماً كجبل البركان في كل لحظة قد يتفجر.