بقلم/ عضو المجلس الثوري المحامي لؤي عبده

 

إن الذين اصطدموابالفلسفة السياسية الصهيونية الإسرائيلية ، بانسداد الأفق أما تجربتهم في الوصولإلى مفهوم السلام العادل، ومبدأ الأرض مقابل السلام بحل الدولتين من الصعب أنيعترفوا بالحقيقة، بل هم مستمرون في توظيف الخطاب الفتحاوي والوطني بانتقائية ذكيةتضمن لهم طموحهم بعبور التاريخ والبقاء في الوعي الفلسطيني إلى أجل غير مسمى.

لذلك فإن حركة فتحالتي شخصت الصراع على أنه صراع  الوجود منعدمه، والتي أدركت بأنها ما زالت أمينة على راية حركات التحرر الوطني العالمي؛ لاتزال مستمرة بالتشخيص حتى لو كان هذا العمل الفكري نابع من أوساط مناضليها الذينما زالوا يسعون لتحقيق الثبات في رفع راية النضال.

ذلك لأن فتح فكرة قبلأن تكون طلقة بندقية، واعتمدت على مفهوم الجماهير في الثورة، وهذه قاعدة النضالالوطني التي تستند إليها حركة فتح في كافة أفكارها ومبادئها ومفاهيم العملالتنظيمي التي أرستها، وعليه فإن فتح تدرك مسبقا إلى أين تتجه بفكرها ومسؤولياتهاالنضالية، ولذا لم تفلح كافة المحاولات التي تهدف إلى إصابتها بالإعياء والتشويه.

ففتح وعبر  تاريخ تجاربها مع متطلبات العمل الجماهيريوالسياسي، وبانقلابات موازين القوى عليها كانت تدرك ماهية المرحلة وحيثياتها، ولميكن هذا ليكون إلا باندماجها  منذ البداياتبالقضية الفلسطينية بكافة التفاصيل الصغيرة أو الكبيرة، مؤمنة بالعطاء قبل الأخذفي مسببات تأسيسها من أجل النصر.

ومهما أصابالحركة  من محاولات التشهير والتشويه والإساءة لها ولسمعتها، بقيت ماضية في بناء الدولة على مفاهيم الحرية والحقوقوالواجبات والتسامح، ولأجل ذلك تستمر باستمرار القضية والصراع، ولمصلحة كل فلسطينيتعمل، فكانت ولم تزل لا يضيرها النقد والنقد الذاتي، والتصحيح والحداثة نهجهاوأسلوب عملها وتقييمها لكل مرحلة.

وليتذكر الجميع بأنالصهيونية قد طرحت في المنطقة مشروع إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر، بكل السبلالاستعمارية والعنصرية، وقد حققت إسرائيل ذاتها الاحتلالية بالقوة، وقد كان دعاةاليمين فيها فكريا وسياسيا لا يزالون يتمسكون بتلك الغاية، لذلك كانت فتح مشروعااعتراضيا من الدرجة الأولى للمشروع الصهيوني، وبفكرة إقامة الدولة الفلسطينيةالمستقلة على أرض الرابع من حزيران لعام 1967، يتوقف المشروع الكولنياليالإسرائيلي الحديث.

أما حكومات الدولالعربية والأجنبية فتجاوبت إلى حد ما على طرح منظمة التحرير الفلسطينية، علىالدولة كصفقة لكل متطلبات ووقائع الصراع وحقيقته، وبهذا  التجاوب لم تستطع إسرائيل إلا التعاطي مع ماوصل إليه العالم من تأييد لحل الدولتين في فلسطين، إلا أنهم تعاطوا معه على أرضيةقاعدة الاحتواء للعامل الفلسطيني على الأرض بفكرته التي يناضل من أجلها، وصولا إلىالتلاعب بتلك الفكرة من أجل إسقاطها من مفردات حل الصراع سياسيا وقانونيا.

بهذا الفكرالإسرائيلي الخبيث اصطدم المشروع الفلسطيني في مسار الحل السياسي وفي أوسط مشروعإسرائيل الكبرى مما شكل عقدة شائكة، وأصبح الحل الانتقالي حالة غير مستقرة تسعىإسرائيل لتكريسها على الدوام بما لا يحقق القبول الفلسطيني، ويخدر التفاعل الدولي.وبهذه الوضعية تفاقم الموقف إلى أزمة حقيقية باتت تفعل فعلها السلبي بعد اكثر منعشرين عاما من المفاوضات مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وبرز السؤال الكبيرأمام حركة فتح :  ما هو العمل؟ وعليها أنتجيب عليه، هل من المعقول أن تعود الحركة إلى الماضي؟ ومن أين ووفق أي حيثيات؟بالطبع لا يمكن العودة بالتاريخ إلى الوراء، إنما من الحكمة التي تمتلكها حركة فتح"حركة السهل الممتنع" أن تقف حائرة أمام هذا المأزق، وأن تدرس أوراقاللعبة التي تمتلكها بيدها، وأن تعتبر انسداد الأفق السياسي أمامها  مرحلة قراءة ومراجعة لا تعني فقدان  الأوراق الرابحة في الصراع، لذلك يمكن اعتبارالحالة حراكا يسعى للخروج من الأزمة بصورة مشرفة تضع الكرة في ملعب الاحتلال وتصدرله الأزمة التي افتعلها بممارساته، دون أن تجعل لمحاولات السيطرة على الوعيالفلسطيني سبيلا لزراعة الشك في صدور الأوفياء والحلفاء في  مسيرة القضية.، فلا نفقد خياراتنا وثقتنا فيكفاحنا كما حاول البعض أن يزرع في الذهن الشعبي.

لذا لا تزال حركة فتحقادرة على التقاط زمام المبادرة من جديد بذات القوة السابقة، وبعث الروح في كافةخياراتها التي يسعى الاحتلال إلى تجريدها منها، ويذكر من هذه الخيارات مساران: إماالعودة إلى الثورة والمقاومة والانتفاضة ! أو إما المضي في طريق الدولة عبرالمفاوضات، وبتقييم الموقف نجد بأننا نقف في منتصف الطريق، بخيارات  المنهجين ومتطلباتهما المختلفة، فيمكننا المضيبأحدهما أو المزج بينهما! أي الثورة والدولة.، بأن تكون الثورة وسيلة لتحقيقالدولة الهدف، فيتغذى احدهما  من حدوثالآخر، ولطالما اجتمعت جماهيرنا  حول الهدفوالتزمت في سبيله الوسيلة، هذا ما يدور في ذهن حركة فتح الآن في مخاض الخروج منالأزمة.

لأنفتح لم تسقط  يوما من حساباتها الخيارالشعبي وحكمة اللجوء إليه، لفتح الأفق أمام الوصول إلى الهدف، رغما عن التغييراتفي الواقع  الوطني، والمحيط القومي  الذي التزمت به حركة فتح على ما يحدث له من تحولات،وقد آمنت فتح بالديمقراطية رغما عن العقبات التي يضعها الاحتلال في طريقها، فيالوقت الذي يدعو فيه العالم إلى حل سياسي ديمقراطي سلمي قانوني للصراع.