بقلم/ عضو المجلس الثوري المحامي لؤي عبده

 

التحول الديمقراطي في حياة حركات التحرر الوطني أمرهام، فهذا يعني تكريس الحداثة في العمل والمنهج، خاصة وأن كثيراً من الحركاتالوطنية العالمية مارست مفاهيم العدالة الإجتماعية في مرحلتين، الأولى: أثناء حربالتحرير الشعبية، والثانية: في بناء مؤسسات المجتمع وتشريع قوانين الدولة، فمابالنا وظروف وتاريخية حركة "فتح" التي اٌمتازت بخصوصية تجريبية مختلفة،فالتحول الديمقراطي لحركة إتبعت قانون المركزية الديمقراطية لسنوات طويلة وضمنمعطيات الإحتلال والشتات نعتبره إنتصاراً للإرادة الواعية المتفائلة، وإن إنعطافالمنهج ليمارس هذا الفكر في واقع الإحتلال الجاثم على صدر شعبنا في ظل مرحلة تحررلم تنتهي بعد، وبناء مجتمع تحت شروط بالغة الصعوبة يزيد من فداحتها، بغياب الحريةوالإستقلال وتحول إجتماعي وإقتصادي بطيء ومعقد، أفرز في مرحلةٍ ما قِوى إجتماعيةأثارت صراعاً طبقياً غير مسبوق للحصول على المزيد من الإمتيازات والفرص وتحقيقالنفوذ، سواء بالمشاركة أو التفرد، مستفيدة من الحالة وتفاصيلها المتشابكة، إنالتحرر السياسي والبناء الوطني، وتشريع القوانين تجربة خاضتها حركة "فتح"من أجل تعميق ثقل العمل الفلسطيني وتنميته على خارطة الواقع، وتعاونت في ذلك معقوى إقليمية ودولية كي يصبح حقيقة لا يمكن الإنقضاض عليها، أو إحتوائها مهما مرالزمن، مع العلم أن حجم الشروط المفروضة على هذه الصيغة و البنية تأخيرية، لا تسمحبالوصول إلى الإستقلال دون تفكيك تلك الشروط دون خسارة المنجزات الديمقراطيةالمشار إليها.

بمرور سنوات التفاوض المتواكب مع إنجاز البنيةالديمقراطية يتبين بأن الإحتلال يسعى تكريس تلك الشروط وتثبيت عجلة البناء كي لايتجاوب بالشكل التام مع الدعوات الدولية من أجل إنهاء الإحتلال متذرعاً بأمن دولتهفي تعطيله لحق تقرير المصير والإستقلال، ودولة الكيان الإسرائيلي لا ترى بأنه منالممكن التعامل  مع الطرف الفلسطيني"بالندية" طالما تتذرع بأمنها وإستقراراها، فاٌزدادت عنصرية وبطشاً، مماجعل نظرية السلام المدعو لها في مؤتمر مدريد وما قبله نظرية غير قابلة للحياة معهكذا عدوان مستمر، وأفرغها من مضمون الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أوالتوافق  مع حل الدولتين رغم كافة القراراتوالمقترحات الدولية، فهي أضحت نظرية لا لا يمكن تحقيقها إلا إن إعتقدت القوىالدولية بأنها نظرية ملحة، وهي لا تنظر مع الأسف إليها نظرة الحاجة الملحة بقدر ماتنظر إليها وسيلة للهو العالمي و تحقيق المكاسب على حساب الرأي العام العالمي، حركة"فتح" تجاوبت بسياستها مع نهج التجربة الديمقراطية بالرغم من كل العقباتوالعثرات الناجمة عن الحروب السياسية والنفسية والإقتصادية المتتالية التي تهدف لإسقاطفتح في دوامة الإرهاق والتشتت على محاور وقضايا تفتقر إلى الحل الأساسي وهو تحقيقالإستقلال وبالطبع يأتي ذلك ضمن سياق الإحتواء وإزالة المشروع الإعتراضي"مشروع فتح" من أمام حلم إسرائيل الكبرى، الذي يشكل ضرورة للإمبرياليةالأمريكية، وضمن ذات الآلة المبرمجة في الهجوم على فتح تأتي فكرة العدو الخارجي،الذي يمنح إسرائيل المساحة للتحرك العدواني المبرر، وممارسة المزيد من إستيطانها وإستعمارهاللأرض، زحفاً مدروساً في تحقيق مشروعها "الدولة الكبرى"، وهذه حقيقة يجبأن يراها كل الوطنيين الأحرار لأنها جوهر الواقع وفلسفة التعاطي معه.

بالرغم من ذلك فإن القضية الفلسطينية ومع تجربةعشرات السنينن تؤكد على أنها قضية لا يمكن طمسها، فهي الباقية لشعبنا ونضالنا وإلتزامنابالأرض والقدس وفصائل الكفاح الوطني، وسائل وأدوات لدخول الصراع وخوضه، وتراجعهاأو ضعفها لا يعني ضعف الفكرة والمنهج، فطالما بقيت مسببات وجود الفصائل الأدوات ،تبقى الحاجة لها قائمة تفرض التطور والتفاعل بجدية مع حيثيات الصراع ومصير شعبنا،فالصراع العربي – الإسرائيلي قد يمتد إلى أجيال وأجيال تستدعي السعي  دون تراجع في طريق فرض الحقائق دولياً ومحلياً،كما يجري منذ أكثر من نصف قرن من الزمن ، لذا يأخذ النضال الفلسطيني أشكالاًعديدة، في مقدمتها بناء الوطن وهذا لا يرضي الإحتلال بتاتاً، وتطوير وسائل الحياةوالعمل و الإنتاج في مجتمع يهدف الإحتلال إلى تفكيكه وترحيله عن أرضه، وهذا السلوكالوطني نقيض عملي في آلية إبراز التناقض في فكرة الإحتلال الذي لا يمكنه الإستمرارفي حالة من عدم الإنسجام مع ثقافة المنطقة العربية، فتكريس الوجود الفلسطيني  يشكل حالة مضادة لهيمنة القوة التي تسعى لتفريغالأرض الفلسطينية من الكينونة العربية، لذا يكون الصمود والتحدي والتمسك بكافةالأوراق والخيارات الشعبية إيماناً بالإستحقاق الوطني، هو الجدار المانع أمامالعدوان الإسرائيلي بأشكاله ومحاوره على شعبنا وهويته الإجتماعية والحضارية،وللتاريخ لا يزال يثبت بأن شعبنا الفلسطيني قادر على خلق حياته مهما كان الأمر فيسبيل مناوئة الوجود الإحتلالي .