بقلم/ عضو المجلس الثوري المحامي لؤي عبده

قيل أن هناك من يصنع التاريخ، وهناك من يكتبه، وهناكمن يقرؤه

 حركة "فتح" نادت بأعلى الصوت(يا شعبنا هز البارود)، ولبى الشعب النداء وقدم التضحيات بآلاف الشهداء والجرحى والأسرى،ولم يتوقف. قدم الغالي والنفيس وبكل ما استطاع ولا يزال، لكن إلى أين؟ ومن أجل ماذا؟هل لتحرير فلسطين، وإنهاء الاحتلال الاستيطان والحصول على دولة مستقلة عاصمتها القدس،وخلاص اللاجئين من المخيمات وعودتهم للديار؟!

أم إلى دولة فلسطينية مستقلة تقام على الأرض المحتلةعام 1967؟ أم إلى حكم ذاتي واستمرار الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس وسلب هويتهاالعربية والإسلامية والمسيحية؟

حركة فتح صنعت التاريخ لشعبها عبر التاريخ المعاصر،وتواكبت معه في كل مراحلة منذ انطلاقتها، ووضعت الحل الدائم للقضية الفلسطينية، واحتضنتمن كل اتجاهات الفكر والسياسة في المجتمع الفلسطيني رجالا ومناضلين، واتخذت  لها قاعدة ثورية تنطلق منها لتخوض الثورة ومن ثم بناء منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتهانحو أرض المعركة وتقرير المصير.

إن سواعد الفدائيين والمقاتلين والمناضلين والأحراروكل مكونات ومضمون أي حركة تحرر وطني تصنع التاريخ الحديث والمتنامي نحو الحرية والاستقلال.

قد يحدث انقطاع في هذا التاريخ، أو تراجع بسبب  ظروف وعوامل معينة، لذا تعرضت تجربتنا على الساحةالفلسطينية منذ بداية القرن المنصرم إلى انقطاعات في زمن الآباء والأجداد وحتى اليوم؛لأن مفهوم الثورة للتاريخ كان يقوم على حتمية النصر، وليس المساومة، أو التسوية، وبالتاليوبدخول نفق التسوية بات صراعنا مع الاحتلال يتعرض إلى حالة  انقطاع حقيقية في تاريخ الثورة وفق الفكر التقليديللثورات.

وحالات الانقطاع التي حصلت على مر التاريخ أفرزت فصامافي الواقع السياسي ما بين مفهوم التحرر بالكفاح المسلح أو العمل السياسي، حتى وإن تمسكالسياسيون في مواقفهم، لكن الثابت بين كل هذا أن الانقطاع في ثورية شعبنا فكرا وانتماءلم يحدث بعد.

"فتح"حركة تحرر اعتمدت المنهج التجريبي في العمل والحركة والتطور، إلا أن هذا النهج لم  يعمم بالشكل الأمثل للاستفادة حين انحصر الخطأ والصوابعلى فئة، بما لم يتح ترجمة التجربة إلى عبر ودروس ربما بسبب ديمومة الصراع وسرعة نشوءالأزمات لاسيما وأن المطلب الأساسي في التجربة كان أن لا نُخطئ، لذا نتحمل المسؤوليةجميعا – مناضلين ومقاتلين -.

والتحولات التي حصلت لا يمكن أن نعتبرها تحولات إيجابيةفي منطق تاريخنا الوطني، بل على العكس؛ كانت سلبية في عملنا وتقدمنا في مراحل كثيرة.من هنا لا يمكن اعتبار الدخول في الحل الأمريكي الإسرائيلي للصراع خطوة إيجابية تمامافي تاريخ نضالنا الوطني، لكنها عملية ظرفية إجبارية كمفهوم العولمة الحاصل في العالم،وحالة الحرب  على الدولة القومية، وهذا ما يشملنابكل تأكيد إن كنا حركة تحرر وطني – ونحن بالفعل كذلك – فالمطلوب رأسه للإمبريالية المتطورةهو مفهوم القومية والنضال المناوئ لها.

قد تتخذ حركات التحرر الوطني قرارات مصيرية لحماية وجودهاأحيانا، وليس لتحقيق النصر أو الهدف ضمن الاقتناع بأن صيانة الوجود حماية للفكرة والهدف،ومن هنا إن منظمة التحرير الفلسطينية التي قبلت بمبدأ التسوية "الأرض مقابل السلام"والمفاوضات كوسيلة لتحقيق هدف إقامة الدولة المستقلة، لم تكن تنظر إلى هذا المفهومبجدية، بل كان القبول استغلالا للظرف، وتثبيتا للمرحلية الانتقالية، مع أن الجانب الآخرجعل الانتقالي ثابتا، والتعايش المطلوب دوليا تم تفريغه من حقوقنا وفق المنطق الاحتلالي،فلم تلتزم إسرائيل بمفهوم الاتفاقات والقوانين المعمول بها بين الدول، او  حتى القرارات العالمية، مما يجعل الأمر أكثر تعقيداوظهور بوادر اختفاء فرص الحل الحقيقي باتت تلوح في الأفق منذ حين.

وإذا ما فرض الاحتلال الاستيطاني توجهاته بالأمر الواقع،وعمل على فرض نظام العزل "الأبرتهايد" إلى حالة زمنية طويلة الأمد، حينئذ نعتبر أن كل ما جاء من توجهات نحو التسويةالسلمية كان فخا نصبته أمريكا وإسرائيل دخلته الضحية ويراد أن يكون دخولا  أبديا دون خروج.

بهذا المفهوم وبتكريس هذا النهج الذي يفرضه الأداء الإسرائيلي،يعتبر الحل السلمي في هاوية السقوط، فهذا الأداء استخدمته العقليات الاستعمارية القديمةخداعا لتكريس مزيد من السيطرة على حياة الشعوب وخيراتها المادية ومصيرها ومستقبلها.

السياسة لا يوجد فيها نوايا حسنة، بل مصالح وخدع وهيمنةخاصة في حالتنا، لأن السياسة المقابلة لنا تعمل على إنهاء وجودنا، فأصبحت المعادلةأمامنا "إما أن نكون وإما ألا نكون"، والبحث عن الحل الأوسط أو الأقل منهقد يضمن إعادة فلسطين إلى الخارطة الدولية، والحقيقة التي يجب أن تقال للأجيال القادمةأن هذا الصراع الدائر منذ مائة عام لم تكن فيه موازين القوى لصالحنا إطلاقا وحتى الآن،وربما لن يكون لاحقا!  والنضال الفلسطيني اعتمدعلى "الذات" وعدالة القضية. وانتظار تغيير جذري في العمق العربي لصالح هذاالنضال قد يأتي بثماره مستقبلا.

ومن المخزون الكبير للتجارب التي  حققتها حركة فتح، بات لدينا إرث هام وطويل من الحقائقوالوعي المرتبط بعقلية العدو وطبيعة الصراع يجب الارتكاز عليها في استمرارية النضال،خاصة بعد انتقال مركز الثقل في العمل الوطني إلى داخل الأرض المحتلة، وأصبح لدينا– بمرارة – بعض الكيانية السياسية رغم ما تتعرض له من انتكاسات في الواقع، ورغم الحالةالعامة التي لا  نعرف إلى متى ستستمر

من ناحية أخرى يتعين تحويل تواجدنا في المنافي وفي ظلالمرحلة الحالية  إلى جبهات مساندة ودعم فيالمجتمعات الأخرى، للإبقاء على شعلة النار الفلسطينية متقدة، ولتعزيز النضال الدوليحتى يتم لنا تحقيق الثقل الذي سيؤدي إلى كسر "الجوزة" من الخارج، فيتحولالواقع القاسي إلى واقع الدولة المستقلة، التي نريدها أن تكون.