بقلم: بكر أبو بكر

عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"

 

خاص/ مجلة القدس، عندما وجهت السؤال لعدد من الإخوة والأخوات في دورة تثقيفية عقدت لعدد من الطلاب المبدعين تعددت إجاباتهم وأفكارهم حول مفهوم المقاومة والمقاومة الشعبية.

وكان الأخ علي خليفة قد اقترح عليّ كتابة مقال حول المقاومة الشعبية ما ارتبط مع حوار أدرناه منذ مدة مع كوادر حركيين حول المقاومة الشعبية والنظرة التي ترى في الحراك بمنطق التظاهر هو المعلم البارز وربما الوحيد عند البعض لهذه المقاومة.

ولأن المفهوم قابل للتأويل لأنه قديم متجدد، فمن قائل أنه يشتمل على العمل المسلح أو  ألعنفي، ومن مصرّ على تمثله بالعمل الشعبي والسلمي في ارتباط له في كل منا حسب الخلفية الثقافية وحسب ما استقر في الوعي من تجارب عاشها أو خبرها أو اطلع عليها.

 

المقاومة مفهوم عريض أم ضيق؟

إن المقاومة الشعبية مفهوم عريض إن شئنا له ذلك ومفهوم ضيق إن أردنا له ذلك.فحيثما اتسع المفهوم دخلت فيه العناصر الجماهيرية الميدانية والاقتصادية والثقافية والقيم المجتمعية والممارسات الانتفاضية (من الانتفاضة) والإعلامية والصمود الشعبي على الأرض ومقاومة الحصار، وحيثما ضاق المصطلح اقتصر إما على المواجهة المباشرة مع جنود الاحتلال من خلال التظاهر أو استنشاق الغاز أو رمي الحجارة أو رفع اللافتات أمام الحواجز وقوات الاحتلال.

وحيث أن مفهوم المقاومة وتصعيدها وتطويرها هو ما دعت له حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح وفصائل أخرى ، ومما دعا له الرئيس أبو مازن، فيما حاولت فصائل أخرى توجيه المفهوم بشكل سلبي فاعتبرت إن المقاومة هي أولا ضد السلطة الوطنية الفلسطينية كما قال كبيرهم الذي علمهم السحر والسحرة الصغار، ثم في دعوات أخرى أشير للمقاومة فيها أن تكون ضد العدو في القدس أو ضده في الضفة حصرياً حيث اعتبر الزهار كمثال أن غزة محررة برأيه ولا يجوز فيها المقاومة بأي شكل في أغرب مفهوم لوحدة الشعب وأداته  النضالية.

وبعيدا عن مناكفات التنظيمات السياسية التي صعدت السلم إلى السلطة وهبطت منه على الكرسي فاستطابته ورفضت الانخلاع عنه، وكما يؤسس لذلك في مصر على طريقة الانقلاب في غزة، فان المقاومة تظل مفهوماً قابلاً للتطويع وضروريا بحيث تتوافق عليه مختلف الفصائل السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني دون مزاودات وأكاذيب واتهامات وان تنعكس هذه التوافقات على الناس ثقافة وفكرا ومنهجاً وممارسة يومية.

 

المقاومة المحدودة

إن كانت المقاومة حسب الرأي الضيق تتمثل بمواجهات محدودة بالدقائق والساعات في يوم واحد في الأسبوع وهو يوم الجمعة عادة وبأماكن محددة وبأعداد يطغى عليها العنصر الأجنبي في بلعين والنبي صالح وكفر قدوم والمعصرة ووسط الخليل وبرقين.... فإنها مظاهر لا يمكن الاستهانة بها أبداً إذا حفزت فئات وان محددة من الشعب إضافة للمتضامنين الأجانب إلا أنها لم تصبح حتى الآن ثقافة وممارسة ومنهجا جماهيريا لتقصير كافة الفصائل بشكل أساسي في ذلك.

إننا نرى في المقاومة مفهوماً واسعاً وليس ضيقا، باتساع لا يخرج المفهوم عن مضمونه، وتتسع فعالياته المختلفة لتشمل شرائح المجتمع المتعددة وبآليات ممنهجة ومتفق عليها، وقبل أن نخوض في ذلك دعونا نتعرف على مفاهيم تتداخل معا حين الحديث عن المقاومة الشعبية.

 

الثورة وحرب الغوار والمقاومة الشعبية

إن الثورة تغيير مفاجئ قصدي سريع بعيد الأثر، يبتغي إعادة بناء وتنظيم النظام الاجتماعي كلياً كما يقول (هربرت بلومر)، وهي تغيير جذري للواقع الفاسد القائم بحسب تعريف حركة فتح لها، والكفاح المسلح أداة الثورة العنفية الرئيس كطريق للتحرير، ومن تجارب الشعوب التي سبقتنا وتحررت (الصينية، والفيتنامية والروسية والكوبية والجزائرية والكورية...) فإن حرب الشعب طويلة  الأمد أو النفس كانت النموذج كما كانت حرب الغوار (الغريلاّ) أو العصابات.

تعرف حرب الغوار (العصابات) أو حرب الفدائيين بأنها حرب غير تقليدية بين مجموعات قتالية يجمعها هدف واحد ضد جيش تقليدي، ومسلحة بشكل خفيف وتتبع أسلوب المباغتة. والفدائيون يتفادون المواجهة المباشرة مع الجيوش التقليدية لعدم تكافؤ القوة فيلجأون إلى عدة معارك صغيرة ذات أهداف إستراتيجية يحددون هم مكانها وزمانها بحيث يكون تأثيرها موجعاً للخصم وغالباً ما تشتمل هذه الحرب الصغيرة (العصابات–الغريلا-الغوار–الفدائيين) على الكمائن والإغارة ليلاً والتخريب والاغتيال والخطف وضربات سريعة لوسائل الدعم اللوجستي وشن حرب نفسية... وكل ذلك في إطار عمل سري كامل. ولقد اعتبر (تشي غيفارا) كنموذج هام إن هذه الحرب هي خط الدفاع الأول للشعوب.

واعتبر المفكر السياسي والثوري المفكر والأديب الكوبي الشهير (خوسيه مارتي) إن (مهمة تأهيل الجماهير الشعبية وتوعيتها كيما توجد قيما جديدة نابعة من واقعنا وفكرنا ) وإذ كتب (مارتي) في الثورة فانه يراها تتأسس على الحب لا على الحقد ( وبشكل تنجز فيه حيث يتوفر متسع للجميع ولكل قطاعات الشعب الكوبي كافة) كما كتبت عن فكره مجلة الحرية.

وفي ذات السياق فان (تشي غيفارا) أكد على تطوير الوعي والتثقيف للانتقال لمواقف ثورية، وكما أكد قادة فتح صلاح خلف وكمال عدوان وأبو يوسف النجار في جل خطاباتهم الشهيرة.

 

الثورة و(الربيع العربي)

إذا كان الربيع  العربي الحالي (ثورة) على الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي والطغيان وعدم العدالة فإن في ذلك توسلاً لفكر الشيخ عبد الرحمن الكواكبي ضد الاستبداد، وفكر حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها ضد الواقع الفاسد ، وفكر (ماوتسي تونغ) و(غيفارا) الذين رأوا الثورة سبيلاً للقضاء على البؤس والمعاناة والاستغلال وبناء الواقع الأفضل.

إن حرب الغوار أو العصابات، وحرب الشعب طويلة الأمد تعتمد على الجماهير، وهي استمرار مسلح لنضال سياسي وإن كانت الجماهير في الوعي (الطبقي) تركز على العمال أو الفلاحين وفي تطور لاحق لعموم فئات الشعب على اعتبار أن مهمة مقاومة الاحتلال والبؤس الاستبداد والظلم الاجتماعي هي مهمة الشعب ككل ضد النظام الفاسد وأدواته أو ضد الاحتلال في وضعيته فلسطين اليوم.

 

حرب الشعب...وانتفاضة الجماهير

تعرف حرب الشعب أو الثورة الشعبية التحررية بأنها ( انتفاضة) الشعب ضد الظلم حيث نرى هنا تقاربا في المفاهيم بين ( الثورة ) و ( الانتفاضة) و( الغوار – العصابات) وان اختلفت أو تقدمت أداوت في كل طريقة نضال على غيرها.

يقول الكاتب سليم الرقعي أن مرحلتي الثورة هما:-

1.هدم الوضع الظالم والفاسد والفاشل (الشعب يريد إسقاط النظام )

2.بناء وضع جديد يلبي احتياجات وتطلعات الأمة وشعارها ( الشعب يريد حياة حرة كريمة )

وللحياة هذه شق سياسي بالتخلص من القهر السياسي والأمني والاستبداد وشق اقتصادي بالتخلص من القهر المادي والفقر والحرمان وتحقيق العدالة الرفاهية ، وإذا تركنا مصطلح الثورة وما تقارب معها وأعملنا الفكر في مفهومي (الاحتجاج) و(المقاومة) حيث اليوم أتسع هذا المفهوم كثيراً، فإن الاحتجاج قد يكون مجرد تعبير عن موقف إزاء قانون ما أو موقف ما ثم العودة والإذعان.

  أما (المقاومة)  فتسعى لإلغاء القرار أو تحدي القانون، أنها ببساطة ترفض الإذعان أو الطاعة (استطاع المقاومون السلميون الفلسطينيون إعادة مساحات من أراضيهم في بلعين كانت قد استولت عليها قوات الاحتلال )، و(المقاومة) في جوهرها (العصيان ) كما يقول د. هشام مرسي أما (العصيان المدني) فكان (هنري ديفيد) الكاتب الأمريكي أول من عرفه بممارسة رفض دفع الضرائب عام 1849 وذلك احتجاجاً على العبودية والقمع والاضطهاد بينما يعرفه (بير هرنجرين ثوراو) بأنه نشاط شعبي متحضر يعتمد أساسا على مبدأ اللاعنف في تحدي لأمر أو قرار ما.

ويضيف ثوراو أنه "ينبغي ألا تنشغل حركة العصيان المدني بتوجيه خطابها إلى الحاكم أو النظام، وتغفل عن اختيار خطاب مناسب للجماهير، يدعوهم للمشاركة في العصيان، ويحرضهم عليه، ويربط مستقبلهم بنجاحه. طالما أنها قررت المقاومة... وليس الاحتجاج.

لقد أوضح المهاتما غاندي - الذي قاد النضال ضد الاستعمار البريطاني في الهند -  بشكل لا يقبل الشك أن العصيان يقوض من سلطة الدولة إلى حد بعيد، إذ يقول "لو أن الرجل يشعر أنه ليس من الرجولة أن يطيع القوانين الجائرة فلن يستطيع أي طاغية أن يستعبده".

 

الإبداعات الفلسطينية

من الواضح أنه في كل مرحلة من المراحل يبدع الشعب الفلسطيني وسيلته النضالية فهي(ثورة) بمكونها العسكري والجماهيري وطويلة وضد الواقع الفاسد ممثلا بالاحتلال، وهي (انتفاضة) شعبية احتجاجية تمردية تشتمل على مكونات العصيان والتظاهر وغيرها، وهي (حرب الشعب) و(كفاح) وهي (عصيان) وهي (حرب فدائيين) وهي (مقاومة شعبية) بالمفهوم الجديد.

 تتداخل المفاهيم وترتبط حينا بالعمل العسكري (العنفي) بمنطق الغوار/ العصابات ومواجهة الضعيف للقوي، وترتبط جدلاً بمؤازرة الشعب حيث (الحرب الشعبية)، وهي ( عصيان) ضد قرار أو ممارسات أو جثوم الاحتلال كما سارت عليه (الانتفاضات) الفلسطينية وأبدعت وسائل مختلفة عن تلك العصيانات التي كان النموذج الهندي والجنوب إفريقي أحد أهم أشكالها.

واليوم إذ يبدع الفلسطينيون فكراً جديداً متطوراً يأخذ من كل تلك الأفكار والتجارب ويضع في سياقها تغييرات فإنه يحدد سلاحه الجديد ممثلاً ب (المقاومة الشعبية) أو (المقاومة السلمية) ما توافقت عليه كافة الفصائل وإن مارس بعضها غير ذلك أو مارس من التخرصات والمناكفات ما حاد به عن الطريق القويم.

 

المقاومة الشعبية والقيادة

إن المقاومة الشعبية اليوم في فلسطين مسؤولية القيادة الفلسطينية وقادة الرأي كما هي مسؤوليتها في جعلها حقيقة بارزة هدفاً ومنهجاً وثقافة وممارسة يومية.

إن ابتعدنا قليلاً عن المفاهيم التي ترى بالضرورة أن العمل المسلح يرتبط حكماً بالمقاومة الشعبية فإننا نميل لتوسيع مفهوم المقاومة الشعبية لا حصرها أو تضييقها بحيث تأخذ إمكانيات كافة الشرائح المجتمعية بالاعتبار فيكون لها القدرة على المساهمة في هذه المقاومة من أي شرفة أطلت عليها أو من أي طريق سارت فيه.

إن المقاومة الشعبية في أقرب تعريف لها إنها تمثل (جميع الأعمال الاحتجاجية/ العصيان التي تقوم بها جماعات تحت وطأة وضع غير مرض /فاسد) أو أنها ممارسات تدلل على عدم الاستسلام وتؤكد على الثبات والصمود والمواجهة وقد تكون (مجمل الجهود المبذولة من أجل الوقوف في وجه القمع ومناوءة الاحتلال).

اذا سلمنا بالتعريف المحدد للمقاومة (أي من التعريفات التي يتم التوافق عليها وطنيا)، وإذا اسلمنا بأن الخيار الحالي الذي تجمع عليه مختلف الفصائل والمنظمات وفئات الشعب قولا أو ممارسة هو المقاومة الشعبية السلمية، فكيف نحول (فكرة) المقاومة الى (نهج) حياة يومي يؤذي الاحتلال ويكون (هدفا قابلا للتطبيق) من كافة فئات الشعب ويمارس يوميا؟

 

قاعدة المقاومة من 4 قوائم

ان تحويل فكرة ما الى واقع مادي تحتاج لقاعدة صلبة تتركب على 4 قوائم حيث تحتاج أولا لأكتاف عريضة (قيادات الرأي والمنظمات والشبيبة والنقابات والمتضامنين الأجانب...) وهمة عالية (ثقافة متجذرة وفعل متواصل متسع أفقيا وعموديا، وبتركيز في أماكن متفق عليها) وثقة بالذات والآخرين (الاتفاق الوطني الشامل حيث وضع الخطة والبرامج وتشغيل الكادرات والأعضاء ومتابعتهم ...)، كما تحتاج لعملية قيادية/ إدارية وطنية ضخمة وممولة تفعل كافة الإطارات والمؤسسات والأفراد تعبويا وثقافيا وتربويا وتنظيميا ، وإعلاميا بما يحول الفكرة المجردة إلى ثقافة ثم منهج حياة وعمل يومي.

 وهو ما نفتقده هذه الأيام لأسباب عدة على رأسها الانقلاب في غزة، وسحب حماس يدها من المقاومة وانجرارها لزلل السلطة ودفء الكرسي، وفي المقابل عدم رغبة الحكومة الفلسطينية (أو عدم قدرتها) على فعل ذلك لأن معايير عمل (السلطة سواء السلطة الوطنية أو سلطة حماس القسرية في غزة) تختلف عن معايير ثقافة وسياسة ومنهج المقاومة فلا تخاض المقاومة سواء مسلحة أو شعبية بالشعارات الفارغة والكذب على الناس والأصوات المشروخة العالية.

تركيزا على التوافق الوطني من قواعد تكريس المقاومة يقول د.أسعد عبد الرحمان: (إن تبني المقاومة السلمية الشعبية يحتاج، قبل أي شرط، تحقيق توافق وطني شامل يرتكز على الاقتناع بأهمية وتأثير هذه المقاومة، مع التأكيد في الوقت ذاته على شرعية وإمكانية "المقاومة المسلحة" للاحتلال وفقا للظروف المتغيرة. لذا، فإن في تبني كافة الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح وحماس، نهج المقاومة السلمية الشعبية حاليا مؤشر على تطور في الوعي والنضج السياسي)

ويضيف الكاتب ماجد عزام أن المقاومة يجب أن تأتي: (ضمن إستراتيجية وطنية فلسطينية متماسكة وصلبة تعتمد وثيقة الوفاق الوطني كأساس متين لها، ما يكفل خوض معركة استنزاف جدية ويومية مع الاحتلال وعلى كل المستويات الميدانية والسياسية والإعلامية والقضائية والاقتصادية، وضمن جبهة واسعة أيضاً تمتد من رفح إلى نيويورك، مروراً ببلعين والقدس ولاهاي وبروكسل مع الاقتناع التام بأن معركة الاستنزاف اليومية، لا يمكن أن تتم بالصواريخ وأن الطابع الماراثوني للصراع وموازين القوى المختلة في شكل هائل لمصلحة (إسرائيل) تفرض على الفلسطينيين خوض المعركة من دون إعطاء تل أبيب الفرصة أو المبرر لاستخدام الحد الأقصى من القوة ضدهم).

هناك من يعتبر أن المقاومة الشعبية هي تطبيع لأنها أغفلت العمل المسلح؟! واتجهت لشكل منضبط يتساوق مع منطق التطبيع؟! وهذا أراه في سياق التشكك من جهة وفي سياق توسيع مصطلح (التطبيع) ليشمل كل شيء حتى فعلنا الايجابي، بينما يمكن النظر للمقاومة الشعبية من حيث المقاصد والسبل والنتائج المرجوة انها وسيلة واقعية حقيقية ضرورية لأنها تستثمر الطاقات الوطنية (ما يجب ان تكون مقاصدها ووسائلها ان تعم كل البلد والمواطنين وتحظى بالقبول الدولي وتشكل رفضا مباشرا لاستمرار الاحتلال).

وفي دراسة هامة عن المقاومة الشعبية في مجلة الآداب تقرر: (إنّ الحرب هي "شغلة" (إسرائيل)، لذا فإنّ القيادة الحكيمة أو الناضجة هي التي تتصرّف على أساس عدم الوقوع في استدراج (إسرائيل)، أيْ عدم إعطائها ذرائعَ لشنّ الحرب على الشعب الفلسطينيّ، أو على الأقلّ عدم التسهيل عليها استخدامَ أقصى ما في طاقتها من قوةٍ تدميريّة عاتية؛ أو، بكلام آخر، تحييد آلتها العسكريّة، أو الآلة التي تتفوّق بها، وإجبارها على تكييف ذاتها مع وسائل المقاومة، وضمنها وسائلُ المقاومة المسلحة.) ما يشير لأهمية وفعالية المقاومة الشعبية بالأشكال التي من الممكن إبداعها.

في المقاومة الشعبية ودور الناس الهام يقول أحد الكتاب: يشعر كل مقاوِم بأهميته ودوره الذي لا غنى عنه. فليس المرابط بسلاحه على الثغور بأكثر أهمية من الطبيب في مشفاه، ولا من المعلم في مدرسته.. وهكذا. بل نعطي المكانة اللائقة لكل صاحب مهنة ليفخر بعمله، ودوره الوطني في خدمة شعبه، وفي مقاومة عدوه من خلال عمله. فالتاجر الذي يقاطع البضائع (الإسرائيلية) هو مقاوِم لعدوه. والمعلم الذي يُذكي محبة الوطن في نفوس طلابه هو مقاوِم لعدوه. والطبيب الذي يعالج الجرحى ويحرص على صحة أبناء مجتمعه ليقوموا بواجباتهم في مواجهة عدوهم، هو مقاوِم لعدوه.

 

من وسائل المقاومة الشعبية

في استطلاع قام به عدد من الطلاب الفلسطينيين الفاعلين حددوا (الوسائل) أو (الاشكال) النضالية السلمية القابلة للتطبيق وفق رؤية موحدة شاملة بالتالي : التظاهرات الكثيفة والمسيرات الجماهيرية والشبيبية ومسيرات المرأة، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية، والإضرابات بقطع الشوارع الرئيسية للمستوطنات، والتظاهرات بالآلاف أمام الحواجز والسور وأمام المستوطنات وصولا الى مطالب عنيفة خرجت من نطاق المقاومة الشعبية (السلمية).

 

وفيما يلي استعراض لأبرز (الأشكال) أو (الوسائل):

1. تعميق المظاهرات والمسيرات والاحتجاجات أفقيا بامتدادها لمساحات جغرافية/وديمغرافية أوسع من (بلعين والنبي صالح وكفر قدوم و ...)، ومن حيث الأيام بان لا تقتصر على أيام الجمع فقط، ولفترات أطول كل يوم، وعموديا بتعميقها لتصبح واجبة لدى كل قطاعات المجتمع، فلا تقتصر على العشرات أو المئات الذين نصفهم من الأجانب أو السياسيين أحباء الظهور الإعلامي.

2. مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وكان سبقها حملة مقاطعة بضائع المستوطنات التي قامت بها شبيبة حركة فتح والمنظمات الأخرى السياسية والمدنية ونجحت بحيث أصبحت بضائع المستوطنات محرمة رسميا في الشارع الفلسطيني، وأيضا من خلال تنفيذ ودعم تواصل حملة حركة فتح والتجار ومؤسسات بالوطن التي تنادي بدعم المنتج الوطني والتي انطلقت في شهر ابريل 2012.

3. تقوم (الحركة الاسلامية) في فلسطين 1948 (بشقيها الشمالي والجنوبي) بتكثيف الزيارة والصلوات في المسجد الأقصى، كما يتم حث المواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة على أعمار المسجد الأقصى (والمسجد الابراهيمي في الخليل) بالصلوات والزيارات سواء تلك الفردية أو الجماعية أو المنظمة، ورغم موانع الاحتلال فإن الاصرار الدائم على ذلك يعتبر مقاومة لاستفراد العدو بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين والمقدسات الأخرى التي منها مثلا كنيسة القيامة.

4. مقاومة الجدار من خلال كتابة الشعارات على الجدار، والرسومات واطلاق الشرائط (الأفلام) على المواقع الالكترونية، والتظاهرات والعمل لاحقا على نقب الجدار وإحداث ثغرات فيه بالتعاون مع المتضامنين الأجانب لتبيان خطورة وعنصرية الجدار من جهة، ومدى قيامه بسرقة الأراضي الفلسطينية على طرفيه.

5. شدد عدد كبير من المسؤولين الفلسطينيين سواء في الضفة أو في غزة على ان الصمود الشعبي على الأرض يعتبر مقاومة، وفي ذلك توسيع كبير للمفهوم، وان كنا فعلا نعتبر وجود الفلسطيني على أرضه وتمسكه بها وعدم الهجرة لضيق الحال وقمع الاحتلال ثبات وصمود إلا انه من الصعب اعتبار هذا الشكل الهام من الصمود (مقاومة) تندرج في سياق المقاومة الشعبية التي تحتاج لهدف وخطة وتوافق وفعل متحرك (ديناميكي) متصل.

6. وذهب آخرون إلى أن مواجهة مخططات الاحتلال السياسية والتخريبية في جسد التنظيمات والمجتمع تعتبر مقاومة مشيرين إلى أن تكثيف الحوار الوطني وإطلاق أجراس الوحدة، وتنمية فكر التعددية وتحقيق المصالحة صمودا، ما أظنه وسيلة نضال أخرى هي ليست – على أهميتها وضرورتها وأولوياتها – من مدرجات مفهوم المقاومة الشعبية.

7. كما اعتبر عدد من السياسيين ان الحراك الفلسطيني العربي والدولي، والحراك في الأمم المتحدة لكسب العضوية لفلسطين أو في المحكمة الدولية لنزع الشرعية عن الاحتلال وممارساته البشعة تصنف تحت هذا البند أيضا أي بند المقاومة.

8. إضافة الى إبداعات المتضامنين الأجانب، والفلسطينيين من الخارج حيث التحدي للاحتلال بغزو المطارات والحدود البرية والبحرية وبشكل دوري مستثمرين كل مناسبة وطنية، وتكثيف الزيارات –والدعم المالي- للقدس والأقصى والقيامة وغيرها من وسائل المقاومة المطلوبة كي لا يسدل الستار عالميا ولا بأي شكل من الأشكال على القضية الفلسطينية.

 

الخلاصة

ان المقاومة الشعبية كأساليب نضالية (استنزافية للعدو، واحتجاجية متواصلة) تنبثق من خطة ذات أهداف واضحة وتتحول لتعبئة وثقافة تتبناها كافة التنظيمات السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ومفاصل البلد قد تأخذ شكلا عمليا واحدا يتم التركيز عليه بحيث يتحول لتراكم نضالي، وقد توزع لأشكال مختلفة، ولكنه يرتبط بالخطة والرؤية التي تشغل مختلف فئات الشعب كل حسب امكانياته وبالتوافق الوطني ، وبالدعم العربي والعالمي.

وأقول وأكرر ان التوسيع المفرط للمفهوم يجعله بديلا عن كافة أشكال النضال، وان تضييقه في اطار مظاهرة فقط ايضا يخرجه عن حقيقته. ان وسائل النضال كثيرة والتي منها المقاومة الشعبية ومنها الصمود وتحقيق الوحدة الوطنية وممارسة الديمقراطية والحراك العربي والدولي وحسن استخدام وسائل الاتصال والإعلام وتكريس أسس الدولة والمجتمع، ومنها الكفاح المسلح والانتفاضات والعصيان المدني.

ان المقاومة الشعبية مهما كانت الأشكال او الوسائل او الأدوات التي من المتوجب الاتفاق عليها بين قادة الرأي والميدان في فلسطين لن تكون مقاومة شعبية حقيقية وفاعلة إلا ان حققت الشروط ما أشرنا اليه في أكثر من موضع بان تصبح  نهجا يوميا وثقافة لعموم الشعب، وأداه مواجهة معتمدة، وتحافظ على ديمومتها وتواصلها وزخمها واتساعها أفقيا وعموديا ومرتبطة بأهداف النضال القصيرة والطويلة.