حققت حركة حماس حضوراً محترماً لنفسها بفعل عاملين:أولهما: عملياتها في مواجهة العدو الإسرائيلي وتضحيات قياداتها وما تعرضوا له من اغتياللأبرزهم وفي طليعتهم المؤسس أحمد ياسين، واعتقال المئات من كوادرها.وثانيهما: حصولهاعلى الأغلبية البرلمانية في انتخابات المجلس التشريعي يوم 20/1/2006، ما أهلها كي تقودالمؤسستين البارزتين للسلطة الوطنية، رئاسة المجلس التشريعي ورئاسة الحكومة حين كلفالرئيس عباس، إسماعيل هنية باعتباره رئيس كتلة الأغلبية لتشكيل الحكومة، ولم يكن ذلكليتم لولا عاملان، أيضاً، وهما: أولاً: الانتخابات حيث كانت نزيهة وشفافة قام بها وأشرفعليها قادة الأجهزة الإدارية والأمنية، وغالبيتها من قادة وكوادر حركة فتح، وجرت الانتخاباتفي ظل قيادتهم لمؤسسات منظمة التحرير وسلطتها الوطنية. ثانياً: قبول الرئيس نتائجها،والتزامه باستحقاقاتها، ورضاه عن التعامل مع نتائجها، وإلا لما قام بها أصلاً، ولماكلف رئيس الكتلة الأكبر تشكيل حكومتها، ومصادقته على قراراتها، وتغطيته لتوجهاتها.'حماس'لم تكتف بما حصلت عليه من نتائج، لم يتكرم أحد عليها بها، ولكنها كانت حصيلة فعلهاوعملها وتضحيات قياداتها وكوادرها وانحياز جمهور واسع من شعب الضفة والقدس والقطاعلخياراتها، ومع ذلك لم تكتف بذلك وارتكبت خطيئتها الكبرى بما سمته 'الحسم العسكري'عند لجوئها إلى القوة العسكرية والإجراءات الدموية لحل خلافاتها مع الرئيس ومع الأجهزةومع تنظيم حركة فتح استدراكاً منها أنها قامت بالمبادرة العسكرية لتقديرها أو لمعرفتهاما هو كامن لها، فبادرت بالحسم العسكري قبل أن يحسم الطرف الآخر قراره وتوجهاته ويحسمالمعركة والتنافس والصراع والخلاف لصالحه، على حسابها.'حماس' قامت بالانقلاب في حزيران2007، تحت حجة أن ثمة انقلاباً معداً لها، ولم يثبت ذلك، ولم تتوافر لديها القرائنلتدلل أو لتثبت أن هناك انقلاباً معداً ضدها، حيث إن مهاجمة كتائبها لمواقع المؤسساتالأمنية تم بشكل تدريجي بدون ردود فعل منظمة من قبل الأجهزة الفلسطينية لأنه لم يكنلديها قرار أو برنامج أو خطة من قبل السلطة ومؤسساتها وأجهزتها للإنقضاض على مؤسساتحركة حماس وكتائبها، ولو توافرت خطة مسبقة للإنقلاب على نتائج الانتخابات وعلى حركةحماس، لوظفت الأجهزة الأمنية، مهاجمة كتائب حركة حماس على بعض مقار الأجهزة الأمنية،واعتبرتها حجة كي تنقض على مواقع 'حماس' ومقراتها لإنهاء سيطرتها الإدارية والتشريعيةعلى مؤسستي الحكومة والمجلس التشريعي، ولكن تعليمات الرئيس الفلسطيني، للأجهزة الأمنيةهي عدم المبادرة وعدم القيام بأي عمل يستهدف توجيه ضربات لمواقع 'حماس'، أو المس بهاوالاكتفاء بالعمل على حماية المقرات الأمنية من أي هجوم تتعرض له من قبل كتائب 'حماس'،فكانت النتيجة سيطرة 'حماس' على المقرات وعلى المؤسسات بدون أن تجد ردوداً قوية متماسكةومنظمة ومدروسة تعكس وجود مخطط مسبق لردع حركة حماس، وتقويض قدراتها العسكرية.في هذاالسياق، نصل إلى نتيجة ان حركة حماس هي المبادرة بالحسم العسكري، وأنها لم تكتف بالنتائجالتي حصلت عليها من خلال الشرعية وصناديق الاقتراع في إدارة المؤسستين الحكومية والتشريعية،بل بادرت لأن تكون هي صاحبة القرار لوحدها، وهذا ما قامت به وحصلت عليه، حيث أصبحتبعد انقلاب حزيران 2007، منفردة في إدارة قطاع غزة، ولم تعط المجال أو الفرصة لأي طرفلأن يكون شريكاً لها في إدارة قطاع غزة، حتى أولئك الذين تعاطفوا معها أو أيدوا انقلابها،وبقيت حكومة إسماعيل هنية حكومة حزبية من لون واحد ومن طرف واحد، لأنها لا تستسيغ الشراكةولا تؤمن بها.ولذلك يجب تقييم أداء حركة حماس ونظامها السياسي، باعتبارها نموذجاً لحركةالإخوان المسلمين، وامتداداً لها، ومن هنا يمكن تسجيل فشل حركة حماس، كنموذج وكحركةسياسية في ثلاثة عناوين رئيسية هي: أولاً: فشلها في أن تكون بديلاً لمنظمة التحريرالفلسطينية، كإطار سياسي جامع، معبرة عن إرادة الأغلبية الفلسطينية بتجمعاتها المتعددةالمنتشرة داخل الوطن وفي الشتات، وهذا ما يفسر مضمون وشكل الائتلاف السياسي الذي يقودها،ليس باعتباره تعبيراً عن حزب الأغلبية التي كانت تتمتع به حركة فتح، بل باعتباره تحالفاًجبهوياً وطنياً عريضاً يضم الأكثرية والأغلبية الحزبية (الفصائل) والشخصيات المهنيةوالاعتبارية وممثلي الجاليات الفلسطينية المنتشرة، في بلاد المنافي والشتات.ثانياً:فشلها في أن تكون نداً موازياً لمنظمة التحرير، وليس رديفاً لها، فقد سعت 'حماس' لأنتكون البديل ولم تكن لا هي ولا فصائل وفروع حركة الإخوان المسلمين يعترفون بمنظمة التحريرودورها التمثيلي، وتراجعت 'حماس' عن ذلك وعملت لأن تكون نداً فلسطينياً في مواجهة منظمةالتحرير وفشلت أيضاً في تحقيق ذلك، حتى رضخت لمنطق الأمور واستخلاصاتها على أنها فصيلمن فصائل العمل السياسي الفلسطيني مثلها مثل 'فتح' و'الشعبية' و'الجهاد' و'الديمقراطية'وحزب الشعب، وبذلك فشلت في أن تكون بديلاً مثلما فشلت في أن تكون نداً لمنظمة التحرير،وقبلت في نهاية المطاف أن تكون جزءاً من منظمة التحرير، بقبولها أن يكون خالد مشعلعضواً في الهيئة القيادية الانتقالية لمنظمة التحرير.ثالثاً: فشلت حركة حماس، فشلاًذريعاً في أن تقدم نفسها، وفي إدارتها كنموذج سياسي، يُحتذى، لحركة الإخوان المسلمين،فلا ديمقراطية، ولا انتخابات، ولا حرية لمؤسسات المجتمع، وفشلت ليس فقط في أن تتفوقعلى حركة فتح وكيفية إدارتها لمنظمة التحرير وللسلطة الوطنية خلال السنوات الماضية،بل وفشلت حتى من الاقتراب من مربع 'فتح' والاستفادة من كيفية إدارتها وخياراتها فيتوسيع قاعدة الشراكة في المؤسسات الفلسطينية (المنظمة + السلطة) من خلال إشراك الفصائلوالشخصيات في مؤسسات صنع القرار فيها إلى جانب حركة فتح، فالائتلاف السياسي العريضهو الذي يقود منظمة التحرير، والائتلاف السياسي هو الذي يقود حكومة السلطة الوطنيةالفلسطينية في رام الله.حال حركة حماس في غزة، أعقبه حال حركة الإخوان المسلمين الأمفي مصر، فقد حصل الإخوان المسلمون على الأغلبية البرلمانية وسوقوا أنهم مع الشراكةوتوسيع قاعدة الحكم ليكونوا شركاء لا منفردين، ولكن تطور الأحداث وتسلسل الوقائع أدىإلى عدم اكتفائهم بإدارة مجلس الشعب عبر الأغلبية النيابية التي يتمتعون بها، بل هاهمينظرون إلى الانقضاض على رئاسة الجمهورية عبر ترشيح نائب المرشد لانتخابات الرئاسةوتخلوا عما كانوا يقولونه، أنهم ليسوا طامعين بالسلطة، بل إنهم يكتفون بما حققوه فيانتخابات مجلس الشعب وفي إدارة النواب لمراقبة أداء الحكومة وباقي مؤسسات السلطة التنفيذيةوتشريع القوانين الملائمة للاحتياجات المدنية والقيم الروحية للشعب المصري، وهم اليوميسيطرون على مجلس الشعب ومجلس الشورى ولجنة صياغة الدستور ويعملون على إسقاط الحكومةوإسقاط المجلس العسكري، وصولاً نحو رئاسة الجمهورية، والمستقبل مفتوح للتفرد والاستئثاروالهيمنة