لا نستطيع أن نهمل مدلولات الكلام الذي يصرح به الكثيرون سواء من الطرف الاسرائيلي أوالفلسطيني ففي الاتجاه الأول عاد (نتنياهو) للتأكيد على البعد التاريخي – الديني لإرتباطه الموهوم بما يسميه أرض اليهود -أي فلسطين- قائلا أمام مؤتمر اليهود والأمريكان في مساء الثلاثاء 4/3/2014 (آن الأوان لأن يعترفوا هم - الفلسطينيين – بإسرائيل كدولة يهودية ... فنحن موجودون هنا من 4 آلاف سنة)، مؤكدا في ذات المؤتمر أنه (جاء من القدس العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل والشعب اليهودي) ، ورغم أن العديد من الاسرائيليين والمحللين لا يأخذون بالاعتبار جدية شروط نتنياهو لاستمرار المفاوضات، إذ يرى وزير المالية (يائير لبيد) كمثال: أن القلة في الكنيست هي من تعارض اتفاق السلام مؤكدا دعمه لخطوات نتنياهو للاتفاق مع الفلسطينيين ، لا سيما وأن آخر استطلاع اسرائيلي للرأي أعطى فيه الاسرائيليون 76% تأييد لاتفاق سلام اقليمي بين (إسرائيل) والدول العربية يستند لإقامة دولة فلسطينية على أساس حدود 1967 مع تبادل أراضي والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.

إلا أن زعيم المعارضة في الكنيست (يتسحاق هيرتزوغ) قال: (إننا نسير بسياسة نتنياهو خطوة للأمام وخطوات للخلف، ولكن الوقت ينفد منا) مشيرا للارتفاع الحاد للاستيطان ومتذمرا من أسعار الشقق في تل أبيب مقارنة بالمستوطنات ومتهما نتنياهو بالكذب على الجمهور بهذا الشأن مستهزئا به قائلا (أنه الممثل الأفضل لجائزة أوسكار).

ولنستمع لما يقوله (يائير شامير) ابن اسحاق شامير الشهير، ووزير الزراعة حاليا من حزب (اسرائيل بيتنا) الذي صرح علنا أنه ضد الدولة الفلسطينية مشددا : أن تقسيم القدس خط أحمر قائلا: (إنني أفضل التعرض للقتل بدلا من تقسيمها) في تصريحات لصحيفة (إسرائيل اليوم) المقربة من نتنياهو في يوم الجمعة 28/2/2014 مضيفا بلا مواربة: (أنا على استعداد للقتال من أجل ذلك لأنها سبب وجود الأمة اليهودية في أرض اسرائيل)، وقد كذب قطعا وتساوق مع أوهامه فيما أسماه "أرض إسرائيل" و"الأمة اليهودية" ما أشرنا له مقال سابق.

ولما سؤل شامير عن سبب رفضه لإقامة دولة فلسطينية وهو وزير الزراعة قال بصلابة المحتل العنصري (لا يوجد مساحة كافية هنا لشعبين) (!!).

ما نريد الوصول اليه هنا هو أن الحوار الداخلي الاسرائيلي لدى السياسيين في حقيقته ليس بقوة الدعم المتوقعة لأي خطوات سلام قد تحصل رغم آراء الجمهور.

أما على الجانب الفلسطيني فرغم الأصوات المختلفة فإن المطالبات تتركز على التساؤل الحرج حول مدى جدوى المفاوضات من أصله، وكم ممكن أن تستمر ومن يوافق أو لا يوافق عليها؟ في ظل عدم وجود البديل أو التفكير ببديل يتمثل بتصعيد المقاومة في الضفة الغربية مع الذهاب لمؤسسات الأمم المتحدة، وتكثيف الحراك العربي والأوروبي، وتمكين المقاطعة لدولة الكيان الصهيوني ، وما بين مطالبين آخرين بتسليم الراية دون تلويث أو اللجوء للكفاح المسلح مفتقد الشروط والامكانيات، فقد لا نستطيع بالمفاوضات في ظل النكسات العربية اليوم ان نحقق شيئا مذكورا.

وفي سياق البعد الحضاري التاريخي والثقافي والرواية الفلسطينية فلم أجد إشارة لنقضها مطلقا إلا عبر تصريحات لكل من نبيل عمرو من حركة فتح وباسم الزعارير من حركة حماس اللذان أشارا (للإستعداد في القيادة لفلسطينية لمناقشة أو للإعتراف بيهودية الدولة) ما لم نلمسه لدى أي من القيادة الفلسطينية.

إن الضربات التي يتلقاها الفلسطينيون لا تنتهي، سواء من نتنياهو الذي يدعي أن الفلسطينيين لم يقوموا بما هو متوجب عليهم فهم (ارهابيون انتحاريون)، ومن الولايات المتحدة الامريكية التي تريد تحقيق أي حل "للنزاع" لتتفرغ لملفات أكثر أهمية تتعلق بالاقتصاد الامريكي المنهار وملفات ساخنة أخرى ، ومن الضربات الأخرى الموجعة المتعلقة باستمرار حصار الفلسطيني ماليا بالضفة وغزة معا في محاولة لبيعنا مستقبل مظلم بحفنة من الدولارات.

إن هذا الوقت في ظل التعنت الاسرائيلي الغالب وخاصة من محور نتنياهو اليميني ، وفي ظل أكاذيبهم السياسية والتاريخية المؤلمة لوعي العالم كله ، وفي ظل انهيار الإقليم العربي إذ هو في أضعف حالاته منذ زمن طويل، تبرز المصالحة والوحدة الوطنية كعامل يجب التمسك به بقوة لتكون رسالة الرئيس أبو مازن في أمريكا خلال أيام قوية وواضحة مالا يمنع من لقائه مع كافة التنظيمات بما فيها الجهاد وحماس لتمتين الموقف الفلسطيني وتصليبه ما أظنه ضروريا وممكن الحصول.