ليس من اليسير الوصول لحل تفاوضي للقضية الفلسطينية، فليس من الممكن أن يتخلى القوي والمسيطر المتجبّر -الذي يدعم نفسه بالصواريخ وبالأساطير وبابتزاز العالم- عن الحلم الذي رعاه و ورآه يتحقق على الأرض، بعد خيارات عدة منذ القرن 19 تراوحت بين أمريكا الجنوبية الى افريقيا لتستقر على عروس أمتنا فلسطين.
إن القوة الغاشمة لا ترى إمكانية أن تتنازل (هي تقر بالحق فعليا ولا تتنازل، تنازلات مؤلمة كما يسوقون) في ظل أن لا أحد ينازعها على عرش قوتها عبر القوة المماثلة غير المتوفرة اليوم ، أو عبر قوة الناس والإيمان بالتغيير،والفعل، الذي يفتقده المجتمع الاسرائيلي، والعالمي من حوله.
في الحالة الاسرائيلية تختلط الحقائق على الأرض بتوازنات القوى الاقليمية والعالمية ، وترتبط الصورة لدى الاسرائيليين بواقع القوة العسكرية والاقتصادية والعلمية وبالدعم الخارجي مع قوة الأسطورة وما تفعله من أعاجيب في عقول الناس بل وقادتهم، فتسوّق الرواية التوراتية الأسطورية على أنها حقائق وبقرة مقدسة حمراء، وتابوت العهد، وهيكل يدمر الأقصى لا وجود له بالتاريخ، فتصبح الأمور معقدة الى الدرجة التي قد لا يفككها إلا زلزال بقوة 7 على مقياس ريختر أو أكثر.
إن قوة الأيمان بالفكرة، وقوة الإرادة والمقاومة الشعبية طويلة الأمد ليست شعار الضعيف الذي لا يمتلك القوة المادية العسكرية، وليست شعار الذي يريد التحلل من التزاماته، بل هذا الشعار هو شعار الإنسان الذي يعتقد أن الحياة والكرامة والعدالة والعيش المشترك والسعادة من حق غيره كما هي من حقه، وهو ما يحتاج لجهد ثقافي اجتماعي لربما يكون أكثر صعوبة واستحالة حيث صعوبة نزع الحقد والغل والكراهية لذلك كان جهاد النفس كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم هو الجهاد الأكبر.
هل ستحل القضية الفلسطينية لوحدها؟ كما يتوقع أو يتنبأ فتحي حماد بعد 8 سنوات أي عام 2022 أو 2023 ؟ أم أن هذا تساوق مع أساطير اليهود؟ وكل المؤمنين بالأساطير التي تفترض أن تمطر السماء وهم قعود ذهبا وفضة؟
وهل ما زال شعار "دولتين لشعبين" قابلا للتحقيق؟ والإسرائيليين يقضمون الأرض-أرضنا حتى لم يبقَ لنا موطئ قدم ؟ أم أن حربنا القادمة هي على المياه والغاز والنفط ؟ أم لعلها على الدولة الديمقراطية الواحدة ؟ أم هي كما يريد الاسرائيليون بقرار الكنيست (يهودية عنصرية علينا) و (ديمقراطية للجنس المختار أي الاسرائيليين اليهود)؟.
تساؤلات قد تجد أجوبة من مثل حل دولة الأقاليم (الكانتونات) التي طرحها المفكر خالد الحسن على النمط السويسري ، وقد يكون الحل في إطار التفكير المفتوح بالغزو العربي الفلسطيني السكاني (الديمغرافي) الذي يتوجس منه الاسرائيليون المصرّون على الدولة "النقية" لليهود الذي يعنى لديهم ذلك (التفوق) و(الامتيازات) ضد الآخرين ما أدي بمفكر اسرائيلي كبير مثل (شلومو ساند) ليتحول من يهودي الى إنسان في إنكار لهذه الثقافة التوراتية العنصرية المقيتة.
في المفاوضات الجارية بين فلسطين و(اسرائيل) تأرجُح بين حل موعود أو مامول بالدولتين، وبين (اتفاق إطار) يمهد لمباحثات مطوّلة (وربما تتم بدون اتفاق إطار أصلا)، وبين رغبة اسرائيلية عارمة ببقاء الوضع القائم كما هو.
هذه المفاوضات قد لا تجدي نفعا برأينا، وهذا ليس عدمية أويأسا أوسوء نظر بل لأن "إرادة الحل" في ظل عقلية القوة والجبروت والعنصرية والاحتلال والتفوق وهوس المحرقة والإبادة والبكائيات تجعل القاعدة الاسرائيلية القائمة اليوم هي: الطرد للقديم وإحلال الجديد فقط (هم الجديد الذي يدعي القِدَم مكاننا نحن القدماء المتجذرين)، وهو ما تمثل في العقيدة الصهيونية، وفي الممارسات الاستعمارية أثر استقرار الرأي على فلسطين (وطنا للشعب اليهودي – الذي لم يكن يوما شعبا، ولم يكن لدين وحده وطن قط سوى في دولة الخزر)، وحاليا في متتالية الاستيطان الشرس الذي لم يُبقِ لنا إلا المتساقط من التمر في نخيل أريحا إن استطعنا الوصول إليه.
لقد استقر الاسرائيليون بفكرهم الديني اليميني المتطرف، وفكرهم الصهيوني الاستعماري على أرض "اللبن والعسل" الأرض التي كذبوا على الله فيها أنه وعدهم بها، فكيف للفلسطيني أن ينازعهم الحُلم الذي ألّفوه وعملوا على تحقيقة فأصبح واقعا؟!.
(كيف يجرؤون (؟!) على عدم الاعتراف بالدولة اليهودية؟ ألا يعرفون أنها دولة التوراة (؟؟!؟) هي الدولة التي تعرفنا؟!) هذا مما قاله نتنياهو في كلمة ألقاها في مؤتمر المنظمات اليهودية الأمريكية المنعقد في القدس المحتلة، بتاريخ 17/2/2014 ، تصور أنه يقول كيف يجرؤون(؟!) (يقصدنا نحن الفلسطينيين) غير عابيء بأنه يخرّف.
قمت مع مجموعة من الأطفال الفلسطينيين بالاستماع لهدير الأرض التي تغلي بالحمم الرافضة لصرخات نتنياهو الإيهامية المسيحانية التوراتية، ولدعاوى يمينه المتطرف... فحمّلتنا الأرض أمانة ألا نستمع للكذّابين المحرّفين الذي يزوّرن التاريخ وينسجون الأساطير كما قال الاسرائيليون فلكنستاين وزميله هيرتزوغ وولفنسون وفايس.
قالت لنا الأرض : أن هذه الأرض لم تعرف إلا العرب الفلسطينيين والباقي من الأقوام والقبائل إن مروا هنا -ولا أراهم كما يقولون- فهم مروا عابرين.
من الذي يخاف من الآخر؟ ومن المطلوب منه أن يعترف بالآخر؟ صاحب القوة الباطشة ماديا وأسطوريا -أي الاسرائيليين- أم نحن؟
الذي يخاف من أصحاب الحق -أي الفلسطينيين- فيطلب منهم الإعتراف "بشكل" دولة عظمى قائمة من دولة تحت الاحتلال أو مشروع دولة تتفاوض على مصيرها ؟ اليس في فعله هذا إقرار بالذنب واعتراف بالجناية الكبرى التي ارتكبها هو، واستماع لنداء الأرض اضطر له الجاني في محاولة لايقاف النداء الذي يكاد يصيبه بالصمم... عبر أن يقوم بقهرها وتزييفها بإجبار الضحية الاعتراف على نفسها؟! .... وهي محاولة قطعا لن تنجح.
المخزون الثقافي التاريخي الروحي يظهر كل يوم في مزامير المتطرفين و سدنتهم ، وإذ يرفض المتنوّرون ذلك ويتمسّكون بالقانون أوالقرار الأممي لقيام (إسرائيل) فإنهم يعجزون عن تحمل وطأة السعي لقيام دولة الجوار الفلسطينية فيرتدون على أعقابهم.
إن كنا آمنا بفكر الدولة الديمقراطية الواحدة على أرض فلسطين منذ البدايات فتحتمل فلسطين من عليها اليوم، فإن الآخر هناك في ثنايا أتباع التوراة المحرّفه يرفض ذلك قطعيا حتى أنه يرفض أن يأخذ صاحب الحق جزء مما هو له (دولة مستقلة على حدود 1967).
ثقافة السلام ليست شعارا يقال وليست مطيّة تُركَب ، إن ما يُركب فقط هو شعارات الأحزاب المطّاطة المرتبطة بأشخاصهم ومصالح أحزابهم، أما الثقافة التي تغيّر الفكر والعقل ثم السلوك من سلوك محارب متحفز إلى سلوك مواطن متحضر، أو انسان فهي ما يحتاج لأكثر من السنين الثمانية التي يتنبأ فيها فتحي حماد بزوال (إسرائيل).
إرادة الحل المفقودة عند الاسرائيليين وتحديدا الحكومة اليمينية الحالية اليوم هي ما كانت مفقودة أيضا في فترات سابقة، وقد يشق علينا أن نراها بالمستقبل عند غير المتنورين فيهم على قلتهم، فهل يتناسلون؟!.
الإسرائيليون يحتاجون لجهد فكري ثقافي سياسي إنساني صعب، وربما لهزات عنيفة، ولوعي حضاري إنساني ينتقل عبر الكتّاب والمفكرين المتنورين وعبر المؤرخين الجدد والروائيين الجدد ومشايعييهم من السياسيين وقادة الرأي أيضا ليصبح هذا الجهد الثقافي التغييري العملي في كل بيت لربما في زمن لا نقدّره يقضي على أعشاش الفكر التوراتي المتطرف، والصهيوني الاستعماري، أم ترانا نحلم؟!
إرادة الحل إن لم تتوفر في أي حالة تفاوض ستجعل الطرف الذي يشعر أنه القوى يتمادى ويتجبّر ويماطل ويعطّل ويفشل المسارات الى ما شاءت القوة أن تسنده ... فهل نيأس؟ تقول لنا الأرض بوضوح: }لا{، فأن لم تستطيعوا أنتم لا تفقدوا الإيمان أبدا (وقل اعملوا..)... ودعوها لوارثيكم على المحجة البيضاء.