التأثير الإسرائيلي في الشأن الفلسطيني بات واضحًا لكل العيان وضوح الشمس لا يخفى على أحد، ويبدو أن الولايات المتحدة برئاسة ترامب قد اقتنع في ذلك في عدم إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا يعني أن السلطة الفلسطينية التي تدير الضفة لن يُسمح لها بأن تدير غزة أيضًا، حتى لا تشكل نواة الدولة الفلسطينية. وهذا يعني الإبقاء على الانقسام بين شطري الوطن. قضية إدارة غزة وموضوع اليوم الثاني بعد الحرب لن تعيق المخططات الإسرائيلية، وفي النهاية إسرائيل سوف تجد الوسيلة لذلك، حتى لو أبقت على حكم حركة حماس في القطاع بشكل سياسي. وتستطيع إسرائيل توظيف كل الإمكانيات من أجل تحقيق أهدافها، والشأن الفلسطيني على رأس تلك الأهداف، المشهد القائم اليوم بعد توقف إطلاق النار، طفت على السطح مواضيع من أهمها إدارة غزة، وعودة النازحين، والحديث عن استمرار وقف اطلاق النار، وإدخال المساعدات، ووقف الحرب، المرحلة الثانية من الهدنة، والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين.
وفي ظل هذا الجدال المحتدم يدور رحى حرب أخرى بعيدة عن الأنظار في الضفة الغربية، لتنفيذ مخططات إسرائيلية وخاصة حسم الصراع في الضفة وضم أجزاء واسعة منها لإسرائيل والتهجير للمواطنين، وحتى تمرير تلك المخططات أفضى الاحتلال إلى خلق حالة من الجدل والردح البيزنطي المقيت الذي يهوي بالفلسطينيين وقضيتهم إلى الهاوية. وبدون إدراك أو وعي وتحت وطأة هذه الحالة الجدلية انتصرنا أو انهزمنا، عملاء ووطنيون، كفرة أو مؤمنون يشارك فيها قياديين فلسطينيين من مختلف التيارات الراديكالية ومعهم كل القوى الشعبية الرافضة إلى الواقع السياسي الذي أفضت إليه اتفاقية أوسلو، والتيار الآخر الذي يمثل السلطة الفلسطينية، الجدل والردح القائم تعززه إسرائيل وأعوانها بشكل يثير الاشمئزاز، ويأخذ منحنى ذو تأثير على الوحدة الوطنية، ويعزز الهزيمة، ويلبي متطلبات مشروع الاحتلال للانقضاض على ما تبقى من القضية الفلسطينية. وهذا هو الذي يسعى له الاحتلال في جل أهدافه واستراتيجياته.
على أية حال فإن قطاع غزة بعد التدمير شبه الشامل الذي حل به بسبب العدوان الإسرائيلي، يحتاج إلى عقود عديدة لإعادة بنائه، وأي كان الذي سيحكم غزة سيكون همه إعادة الحياة إلى غزة، والدعم المالي لن يكون كما تتمنى غزة، ستكون هناك معاناة بسبب شح الموارد.
وإن كنت أتمنى أن يجتمع شمل الوطن في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية، إلا أن هذه الأمنية أصبحت درب من الخيال في إطار الاستراتيجية الإسرائيلية القاضية في تعزيز الانقسام بين الضفة الغربية وغزة وأوساط الشعب الفلسطيني. كل الذي يحدث اليوم من جدل سياسي إسرائيلي في الحكومة الإسرائيلية حول الحرب والعودة إليها هو في إطار ذر الرماد في العيون، لأن الهدية البديلة التي سيقدمها نتنياهو الحفاظ على الائتلاف الحاكم في إسرائيل هو إطلاق يد حزب الصهيونية الدينية بقيادة سيموريتش في الضفة الغربية، وإجراء تغيير جوهري فيها يعزز الاستيطان والضم، ويحظى ذلك بدعم الإدارة الأميركية الجديدة.
هنا تبرز أسباب الأطماع الإسرائيلية لاعتقادات توراتية في الضفة، لذلك بدأت إسرائيل السيطرة على مدن وقرى الضفة من خلال تعزيز الاستيطان فيها دون غيرها في أي منطقة جغرافية، وضم مدنها إلى إسرائيل، ومحاولة طرد السكان الفلسطينيين.
مدن القدس والخليل ونابلس تعتبر من المدن المهمة وفق المعطيات في الديانة اليهودية.
أمام كل هذه التوجهات، ليس أمام الشعب الفلسطيني إلا الصمود، وتعزيز الوحدة الوطنية. وإيقاف المهاترات التي تؤجج الخلافات والصراعات بين مختلف القوى الفلسطينية. أمامنا مشوار طويل من الكفاح والنضال يحتاج كل تلك الجهود من أجل حرية الشعب الفلسطيني ووطنه سلمًا أو حربًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها