عاد الناس إلى ركام بيوتهم في شمال قطاع غزة، بعد أن دمرتها حرب الإبادة، وفي عودتهم مشاهد من الإصرار على البقاء، ورفض كل خطط التهجير التي فشلت طيلة ٤٧٠ يوماً، من حرب الإبادة التي لم تُبقِ ولم تذر.
وبحسب الصفقة، فإن العودة كانت أحد البنود التي اتفق عليها، ثم حاول الاحتلال التلكؤ في فتح الطريق أمام جماهير الناس العادة، فبات عشرات آلاف في عراء الطرق حتى تدخّل الوسطاء وحسموا الأمر، وهذه الصورة التي رأيناها تشكل حالة من حالات الصمود، والتشبث بالأرض، والتمسك بالحق، وكسرًا واضحًا لمخططات المحتل التي عُرفت بخطة الجنرالات، والتي هدفت إلى السيطرة على شمال القطاع وعدم السماح للناس بالعودة إلى بيوتهم، بل إن خطتهم كانت تهدف إلى الاستيطان فيه، وبناء المستوطنات، وضم وقضم الأرض في شمال قطاع غزة.
فشلت خطة الجنرالات في فرض واقع جديد لا يسمح بعودة الناس إلى شمال القطاع، ودفع الناس نحو الهجرة بشكل دموي على مرأى العالم، حيث الخراب الكبير أصاب كل شيء، والقتل والمجازر التي كانت الأبشع، في مناطق الشمال التي عاشت طيلة الحرب تتعرض لموجات مستعرة من القصف والقتل والتدمير المنظم، وتم عزله بشكل كامل عن باقي مناطق القطاع، وستكشف عودة الناس حقيقة الفظائع التي ارتكبت، وستظهر الكثير مما ظل خفيًا بعيدًا عن أعين الكاميرات، فأهوال ما أحدثته الحرب يتكشف رويدًا رويدًا، بعد هذه العودة والزحف البشري الذي شاهدناه.
دفعت آلة حرب الإبادة إلى تهجير الناس، وراهن جنرالات الحرب على عدم عودتهم، فأُحرق كل شيء ودُمرت كل سبل الحياة، وراهنوا على أن ما أحدثوه من خراب ودمار كفيل بجعل الناس ألا يعودوا، وأنهم أحكموا قبضتهم على شمال القطاع بعد أن جعلوه قطعة غير صالحة للعيش، ولكن من رأى إصرار الناس على العودة والموج النادر من البشر العائدين بالأمس، يعرف استحالة أن يترك الناس أرضهم وبيوتهم ولو كانت حطامًا.
عودة الناس إلى شمال القطاع تعني فشل الاحتلال فيما أراد، وتعني فشل خطة الجنرالات، كما تعني انتكاسة لكل من راهن على أن هجرة الناس ممكنة، فهذه العودة تحمل معاني كثيرة، كما تحمل رسائل مهمة، في مقدمتها أن قوة الحق أقوى من بطش القوة، وأن تمسك الناس بأرضهم أفشل كل خطط التهجير والتطهير العرقي، وهذا الاستثناء الذي يجسده الناس في غزة، عنوان للبقاء، وتشبثًا بالأرض، وتمسكًا بحقوقهم فيها، وحده القادر على إسقاط كل خطط الإبادة مهما بلغت بشاعة القتل ومهما ارتكب من مجازر.
عاد الناس إلى الشمال، بعد أن تم تدميره بالكامل، وبعد أن ظن الاحتلال أنهم لن يعودوا، فخاب ظنهم وخابت خططهم، وتمسك الناس بالبقاء ولو فوق ركام البيوت المدمرة، فحق لهم أن يكونوا وحقت لهم بشائر العودة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها