عندما يتجرأ أحدهم على تجريد "السياسة" من العدل والرحمة، والقيم الإنسانية الأخلاقية، ويحترف الكذب والخداع، وطمس الحقائق، وتشويه الوقائع وتزويرها، بقصد تضليل الجماهير صاحبة المصلحة الأولى والأخيرة من السياسة، لا يمكن اعتباره إلا من اتباع ميكافيللي القائل في السياسة بأنه: "علم يجب أن يدار بضراوة الأسد ومكر الثعلب" أي أنه شرعن السياسة الوحشية، وسياسة المراوغة بقصد الانقضاض على الفريسة (الإنسان). أما السياسة، كعلم نبيل، ووفقًا لما نؤمن به، ونفهمه، ونطبقه عمليًا، وحسب اجماع علماء الاجتماع، والمفكرين، فإنها: "فن حكم المجتمعات" والبحث المستمر، بعمق ودقة في ظروف الواقع، بقصد تغييره موضوعيًا، لصالح المجتمع، ولا يتم ذلك، إلا بالارتكاز على علم ومعرفة بكيفية إصلاح ومعالجة الأمور، سواء تعلق الأمر بكيان سياسي، كالأحزاب والمنظمات، وغيرها، أو بالدولة، حيث تنظم العلاقة في المجتمعات المدنية، بين الحاكم والمحكوم بنصوص دستورية وقوانين جوهرها العدل واحترام الحقوق الأساسية للإنسان، وضمان الحريات كافة، فالمستهدف في العملية السياسية هو الإنسان المواطن، ونركز على الإنسان حتى لا نسمح بأخذه كمخلوق يُساق للذبح في المسالخ ساسة مجردين من الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، ويتخذون من دمائه ومعاناته ودمار بيته وانكساره طقوسًا، عاكسة لحقيقة وجوه مستخدمي المصطلحات الدينية والوطنية، العاملين على تحقيق مكاسب شخصية، وفئوية، ورسم هالة زعامة وبطولة مزيفة، في أفظع جريمة استغلال، لثقافة المواطنة والوطن، والتضحية والفداء والصمود والبطولة، فالعلوم السياسية ركن من أركان العلوم الاجتماعية، التي اتفق روادها، على أن علم السياسة يقتضي "القدرة على تحقيق الأهداف بأقل تكلفة وأفضل النتائج" هو ما يمكن وصفه بالعملية السياسية المرتكزة على علم ومعرفة تامة بالواقع، والأسباب، والظروف، والرؤية البعيدة للتداعيات المحتملة.
يمثل السياسي (رقم 2) في رئاسة حماس بالخارج، موسى أبو مرزوق، ما يصح تسميته سياسي كمسيلمة، محترف سياسة ميكافيللي، فالرجل خلال حديث مع فضائية عربية، اعترف بأن منظومة الاحتلال الصهيوني العنصرية، قد اتخذت هجوم جماعته (حماس) في 7 أكتوبر2023 لتطبيق خطة (الإبادة) المبيتة لاحتلال وتدمير قطاع غزة، وإخراجه من دائرة الحياة الصالحة للإنسان، وقتل وجرح مئات آلاف المواطنين الفلسطينيين، لكنه وبإصرار قد قال: "إن نتنياهو (إسرائيل) لم يحقق أيًّا من أهدافه، مستشهدًا بذلك على استعراض مسلحين من كتائب جماعته أثناء تسليم أربع أسيرات إسرائيليات يوم السبت الماضي، قائلاً: "إن حماس بخير" فأقر بسقوط واندثار شعار جماعته: "المقاومة لحماية الشعب" لأن الوقائع، والواقع يثبتان أن ملايين من الشعب الفلسطيني في غزة قد تم تدفيعهم ثمن سياسة حماس العمياء. واتهام أبو مرزوق للمواطنين المدنيين الفلسطينيين للمرة الثانية، بأنهم تسببوا بالفوضى أثناء اقتحام مسلحي جماعته المستوطنات فيما يسمى (غلاف غزة) ما أدى إلى رد الفعل الإسرائيلي المدمر، أي الإبادة. وبذلك يحمل أبو مرزوق الضحية المسؤولية، ويبرئ تهور جماعته حيث كانوا يخططون لنيل "أسبقية عمل عسكري، يحسب كإنجاز شخصي"، كما تبين لكل باحث عن الحقيقة، ولم يسمح للكلمات بالمرور دون عرضها على رقابة العقل والضمير السياسي الحر، فقد سقط صناع وثائقي "ما خفي أعظم" في قناة الجزيرة كعادتهم، ولم يتنبهوا لانزلاق هذه العبارات الكاشفة عن نوايا ومكاسب شخصية، كانت الدافع الأساس لعمليتهم، التي تحولت إلى أم الذرائع، اتخذتها منظومة الاحتلال (إسرائيل) لإعادة احتلال قطاع غزة، فالسياسي الإنسان، ينتصر لقيمة ونفس الإنسان المقدسة، ويحقق الانجازات بأقل تكلفة، أما محترفو الخداع والتضليل، أي السياسة (الثعلبية) الميكافيللية. فقد اتخذوا هذا النوع من السياسة كعقيدة، لا علاقة لها بالسماء ولا بأي إنسان عاقل على وجه الأرض.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها