بعد مماطلة من الاحتلال الإسرائيلي، دخل "اتفاق وقف إطلاق النار" في قطاع غزة حيز التنفيذ بعد أكثر من 15 شهرًا من حرب الإبادة الإسرائيلية، التي خلفت نحو 47 ألف شهيد وأكثر من 110 آلاف مصاب، وآلاف المفقودين، ودمارا غير مسبوق.
وبدأ النازحون الاستعداد للعودة إلى أماكن سكنهم وركام منازلهم، حيث أدت غارات الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير أكثر من 80% من المنازل والمنشآت في القطاع.
قالت الصحفية ديما عبد الهادي: إن "الخسائر كبيرة، دمار هائل في غزة وجباليا وبيت حانون وبيت لاهيا وخان يونس ورفح ومناطق وبلدات حدودية محتلة ومدمرة عن بكرة أبيها، ورغم ذلك سيعود الأمل إلى القلوب مع عودة أهل البلد إلى ديارهم المدمرة، ولو بحذر وغصة".
وتساءلت عبد الهادي: "هل تكون هذه الهدنة فرصة لإعادة بناء غزة من جديد على أسس ثابتة، يكون فيها القانون هو السائد، والسلطة الوطنية الفلسطينية هي الوحيدة التي تبسط سلطتها، علنًا ننقذ الأجيال المقبلة لمرة واحدة وأخيرة؟".
من جانبها، قالت الناشطة الاجتماعية والتربوية بثينة عمر: "كم من حروب مرت على غزة، وكانت في كل مرة تقوم من بين الرماد. فغزة تمكن أهلها من نفض دخان الحروب وبناء السلطة الحقيقية بقيادة الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات ومن ثم خلفه سيادة الرئيس محمود عباس".
وأوضحت: "في أية حال، ليس توقف الغارات والقصف كافيين لكي نحظى بالسلام، فهناك مهام كثيرة يفترض إنجازها وأول هذه المهام تلبية احتياجات المواطنين من الجوانب كافة".
أما الفنانة التشكيلية إلهام فتيحة، فوجهت مناشدة لسيادة الرئيس محمود عباس لإنقاذ قطاع غزة عبر تسلم السلطة الوطنية الفلسطينية مهامها كافة القطاع، وذلك لتخفيف معاناة المواطنين، ولتعود غزة إلى حكم الدستور الشرعي.
وأشارت إلى أنها ستتوجه مع عائلتها فورًا إلى منطقة سكنها لتفقد منازلهم و"لنضمد الجراح والألم الذي أصابنا".
من جهته، أعرب الجريح المهندس حازم فورة عن أمله بأن يتمكن من السفر ليتلقى العلاج في الخارج بعد أن أصيب خلال الحرب وبترت ساقة، كما أصيبت زوجته المحامية آيات.
وقالت المربية شيرين عايد: "من عام ونصف تقريبًا ونحن نعاني نفس المعاناة، لا يوجد طعام ومياه، ونأمل أن نعود لبيوتنا قريبًا بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار".
وتسبب عدوان الاحتلال الإسرائيلي في تهجير أكثر من 85% من مواطني قطاع غزة أي ما يزيد على 1.93 مليون مواطن من أصل 2.2 مليون، من منازلهم بعد تدميرها. كما غادر القطاع نحو 100 ألف مواطن منذ بداية العدوان.
ويعيش نحو 1.6 مليون من المواطنين القطاع حاليًا في مراكز إيواء وخيام تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الآدمية.
وقالت المواطنة أمل أبو غولة: "لقد عشنا المر بكل أشكاله وألوانه، وفقدنا الأحبة والأقارب والأصحاب، وحرمنا الطعام والشراب والكساء، لقد وقفنا في طوابير تعبئة المياه والحصول على طعام التكية وجمعنا الحطب والأخشاب لنطهو عليها ونسخن المياه للاستحمام، فيا لها من أيام صعبة أتمنى أن أتذكرها ولا أعيشها ولا أتمنى أن يعيشها بشر أيًا كان".
وقال المواطن سفيان العطار من بيت لاهيا: "تمنيت أن أعيش هذه الفرحة وانتظرتها لأشهر وأيام طويلة، لقد اشتقت لمزرعتي ولفراولة بيت لاهيا التي لا ينسى الناس طعمها اللذيذ، لقد عشت في خيمة وسأعود لأعيش في خيمة فوق أرضي التي دمرتها وجرفتها آلات الاحتلال".
وأضاف: "سنعود وسنعمر ونبني من جديد ولن نستسلم للدمار والخراب الذي تزامن مع شلال دم نازف حصد أرواح الشهداء، أطفال ونساء ومسنين وشباب".
وقال المواطن طلال عايش: "أتشوق لأن أعود لغزة بعد خمسة عشر شهرًا من التهجير والنزوح، وسأقوم فور وصولي لهناك بالسؤال عن مكان قبر والدي الذي قضى شهيدًا في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي ولم أتمكن من وداعه واحتضان جثمان".
وأضاف: "لقد أفقدنا العدوان العشرات من الأقارب، وحرمنا من الاجتماع بهم وقطع الأوصال بيننا، ومن شدة شوقي للعودة لغزة يجول في خاطري وتراودني فكرة نقل الخيمة من جنوب القطاع ونصبها بأقرب نقطة مسموح الوصول إليها في الوقت الحالي لأكون أول من تطأ قدماه غزة بعد التهجير والنزوح".
وتابع: "لن تمحو لحظات الفرح التي يعيشها الناس، أيام الحزن والإبادة الجماعية التي مورست ضد أبناء شعبنا في قطاع غزة أمام مرأى ومسمع العالم كله دون أن يحرك أحدهم ساكنًا".
واختلطت أجواء الفرحة للنازح محمد شاهين الذي يدرس الطب في الجامعة الإسلامية بدموع الحزن على فقدانه نصفه الثاني شقيقه الوحيد الشهيد يزن الذي كان بالنسبة له الأخ والصديق.
وأعرب عن أمله بأن يعود إلى منزلهم في شمال غزة ليتمكن من إكمال دراسته ليحقق حلم والدته التي توفاها الله قبل ست سنوات.
وحال النازح شاهين لا يختلف كثيرًا عن حال النازح رضوان ماضي من مدينة رفح الذي فقد هو الآخر شقيقه العزيز على قلبه عزيز الذي يصغره بعامين خلال قصف الاحتلال لخيام النازحين في منطقة المواصي كذلك.
وأشار النازح ماضي إلى أنه انتظر بفارغ الصبر دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ ليتمكن من العودة إلى رفح، رغم علمه بأنه تم تدمير منزلهم المكون من أربعة طوابق، مؤكدًا أنه سيقيم خيمة على أنقاض منزلهم ويعيش فيها إلى أن تتم إعادة إعماره من جديد.
أما النازحة من منطقة الفراحين شرق خان يونس آمال أبو دقة (60 عامًا) فتساءلت كيف لها أن تفرح بانتهاء العدوان بعد أن فقدت فلذة كبدها ابنتها هلا التي تركت خلفها طفلين لا يتجاوز أكبرهما خمس سنوات.
وأوضحت أبو دقة أن ابنتها استشهدت قبل أربعة أشهر عندما ذهبت إلى منزلهم لتجلب لطفليها ألعابهما وما تبقى من ملابسهما، إلا أن قوات الاحتلال استهدفتها بقذيفة أدت إلى استشهادها على الفور وتركت خلفها جرح نازف.
بدوره، أكد النازح المهندس زهير أبو دقة من منطقة الفراحين (52 عامًا) أن فرحته باتت منقوصة عندما قرأ ما ورد في وسائل الإعلام عن تحديد الاحتلال "المنطقة العازلة" بـ700 متر، الأمر الذي سيحرمه من العودة إلى أرضه وركام منزله المدمر.
وبين أبو دقة أن منطقة الفراحين التي كانت تعج بالحياة قبل العدوان أصبحت الآن غير قابلة للحياة بعد أن تم تدمير منازلها بالكامل، منوهًا إلى أنه إذا تم اعتماد المنطقة العازلة فإن أكثر من نصف أهالي المنطقة سيكونون محرومين من العودة إلى أراضيهم ما يعني أنهم أصبحوا لاجئين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى بعد نزوحهم لأكثر من عام.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها