لا يختلف اثنان حول أهمية الوحدة الوطنية بإطارها العام، ولكن أي وحدة يجب ألا تعني وجود رأسين للشعب الفلسطيني أو أكثر، ولا سلطتين، ولا تعني أن يتواصل الانقسام بشكل مبطن، أو تقاسم السلطة تحت أي مبرر، وصيغة أي ثنائية، أو مركزين للقرار تقود للفوضى.

في الوحدة الوطنية، هناك شيء، وحيد مقبول هو التداول السلمي للقيادة عبر عملية ديمقراطية، سواء عبر آلية الانتخابات العامة، أو عبر مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، المجلس الوطني والمجلس المركزي.

وربما أصبح مطلوبًا من الطبقة السياسية الفلسطينية ان تنتقل من المفاهيم التي تتعايش مع تعدد مراكز القرار، أو أن تكون هناك قيادة جماعية تصبح غطاء لغياب جهة واحدة مسؤولة عن القرار وتتم محاسبتها، وكل ما قيل عن قيادة جماعية في التاريخ كانت تجارب فاشلة، لا مجال لإعطاء أمثلة.

الصيغة الوحيدة المقبولة هي ما يحددها القانون الأساسي والنظام الأساسي لمنظمة التحرير حتى يتم الاتفاق على دستور فلسطيني ينظم كل شيء. الوحدة الوطنية بهذا المعنى يجب أن تستند إلى احترام مبدأ سيادة القانون وليس تعميمه في صيغ ثبت تاريخيًا أنها وصفة للفوضى وعدم بناء دولة المؤسسات.

بالنسبة لليوم التالي، ليس فقط بما يتعلق بقطاع غزة، وإنما بالواقع الفلسطيني بشكل عام، هناك إدراك أن اليوم التالي هو بمثابة مرحلة انتقالية، والحديث يدور عن مدتها قد تطول إلى عامين أو ثلاثة، بعدها تجري انتخابات عامة تنبثق عنها قيادة جديدة ينتخبها الشعب.

إذًا لنتفق أن الحديث يدور حول مرحلة انتقالية، يجب أن تكون فيها سلطة واحدة ومركز قرار واحد، ويمكن المشاركة في القرار في هذه المرحلة عبر المجلس المركزي لمنظمة التحرير، والذي يمكن أن تنضم إليه كافة الفصائل بما فيها حماس، وهذا المجلس يراقب ويقر الميزانية ويسائل ويصادق على المراسيم، أي صيغة أخرى هي وصفة للاستمرار بالانقسام.

المسألة الأخرى هي الحكومة، التي يراقبها المجلس المركزي يمكن أن تشمل تمثيلاً غير مباشر للقوى السياسية، ولكن هذا يأتي في مرحلة لاحقة بعد أن ننجح في السيطرة على قطاع غزة. المهم أن نفكر بطريقة عملية تسهم في إعادة السيطرة على قطاع غزة وإعادة بنائه وعجلة الحياة الاقتصادية والتعليمية والصحية، وإعادة بناء المؤسسات، ويشعر الغزيون بالثقة، إن القطاع سيعود كمنطقة قابلة للحياة.

وفي المحادثات التي تجري في القاهرة على حماس قبل غيرها أن تكون حريصة وتصر على أن تمسك السلطة الوطنية الفلسطينية بالأوضاع في قطاع غزة، بالرغم من الرفض الإسرائيلي، وألا تستغل هذا الرفض لمواصلة الانقسام وفصل القطاع. السلطة ليست حكرًا على أي فصيل وهي في نهاية المطاف تخضع للانتخابات ومن يفوز يمسك بالسلطة حتى إجراء الانتخابات مرة أخرى، أي محاولة لمنع أن يكون هناك سلطة واحدة وقرار واحد لا تخدم سوى ما تخطط له إسرائيل.

ومن الضروري التمييز بين اليوم التالي في قطاع غزة، والحديث عن تعزيز الوحدة الوطنية، والمساران قد يسيران معًا بشكلٍ متواز، ولكن المهم أن نعمل على استعادة القطاع عبر ما يسمح به المجتمع الدولي ومن نتوقع منهم أن يدعموا استعادة السيادة الفلسطينية على القطاع، ومن يمكن أن يسهم في إعادة البناء من أشقاء عرب ومن الدول الصديقة، ومشاريع الأمم المتحدة. أما محادثات الوحدة الوطنية فهي تتعلق بإعادة بناء منظمة التحرير والنظام السياسي الفلسطيني، والتحضير للانتخابات.

وهناك حاجة كي تدرك حماس أن الواقع تغير، ولا نعني هنا بمنطق الهزيمة والنصر، وإنما واقع يسهل إعادة بناء القطاع وسحب كل الذرائع من إسرائيل وغيرها لإبقاء جيش الاحتلال في غزة ومواصلة فصله عن الضفة وتعطيل استقلال الدولة الفلسطينية.

صيغ المحاصصة، أو تقاسم القرار الوطني هي صيغ من شأنها إبقاء قطاع غزة يعيش حالة الموت والدمار، وأن تواصل الضفة العيش في حالة الاقتحامات وتدمير البنى التحتية وربما مع الوقت تقطيع أوصالها وضم مساحات واسعة منها، وأن ينجح سموتريتش وبن غفير والحكومة الفاشية في  تحقيق ما تسعى إليه.

من دون شك، بل بالضرورة أن لا يخطر لأحد، أن الأولوية تبقى لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وأن كل ما نتحدث عنه بهدف توحيد الجهد الوطني بشكل صحيح وفاعل وتوجيهه نحو الاحتلال الإسرائيلي، ولكن أي مواجهة حقيقية وفاعلة إذا لم تكن مبنية على أسس صحيحة وليس عبر مواصلة حالة الانقسام بأشكال وصيغ عدة ستكون انخراطًا في المخطط الإسرائيلي.