احذروا هذا الحكواتي! الاستدارات بواقع 180 درجة، وتبديل المواقف بسرعة الضوء باتت سمة "الحكواتي" في عالم السياسة، البارع في السرد، واستخدام التعابير والمصطلحات المدغدغة لمشاعر البسطاء، حتى أن بعضهم لا يتورع عن تقمص دور البطل فيما يروي، حتى ليبدو للمتلقي السامع والمشاهد على الهواء مباشرة أنه "عنترة العبسي" قد عاد بشحمه ولحمه ليصد الغزو عن القبيلة!! أما استحمار الجمهور، والظن أن غالبيتها الساحقة مصابة بالزهايمر، ولا تملك ذاكرة في تلافيف أدمغتها الطبيعية، وأن محرك البحث "غوغل" الذي يمنحنا ألف خيار على الأقل عن اسم وفعل ومواقف وتصريحات وتفوهات وعبث وفهلوة كل واحد من هؤلاء، ناهيك عن صورهم التي لا تحتاج الى كثير من الفراسة لاستكشاف شخصية الكذاب المنافق، ومتقمص الأدوار التمثيلية والخطابية على قاعدة ما يطلبه الجمهور!! هؤلاء الذين استخرجتهم فضائيات من قاع جب النسيان، لتراكم علامات الاستفهام حول انخراطها في المؤامرة على شخص الرئيس ابو مازن ومنهجه، والقيادة الوطنية الفلسطينية، والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية، هؤلاء يجسدون الأمر ونقيضه، الموافقة والرفض، والموالاة عندما كانوا في مواقع القرار، وضمن أضلاع مثلث ذروة السلطة والمسؤولية، وبذات الوقت يجسدون المعارضة العبثية التدميرية عندما يتم الاستغناء عنهم، لأنهم في الحد الأدنى كانوا يبحثون عن مكاسب (الأنا المتضخمة) لديهم، على حساب العمل بإخلاص لاعلاء المصالح العليا للشعب الفلسطيني، ليس هذا وحسب، بل تراهم يخادعون الجماهير، بابراز الحرص على قضاياها والتحدث عن مطالبها وتطلعاتها، وأنهم يتكبدون شقاء العمل من اجل تحسين عيشها وحريتها! ويتوغلون في هذا المسار، وكأن الجماهير لا تعلم أن طمعهم في المكاسب والمناصب قد ادى الى انزلاقهم وسقوط أقنعتهم، وانكشاف حساباتهم المفلسة في السياسة ومواقع المسؤولية التي تبوَّأوها!

لا ننكر حرفيتهم في ادخال الجمهور في (حيص بيص) المواقف، وخفة ألسنتهم وأفواههم لنفخ السم الثقيل على سمع وبصر بعض سامعيهم ومشاهديهم، وقرائهم، ورغم ذلك، فإنهم لا يدركون أنهم قد سقطوا من قائمة الاهتمام ومسحوا من ذاكرة الجماهير، حتى لو فاضت احاديثهم بمصطلحات وكلام بدا وكأنه على صلة بهموم الشعب، فمعظم هؤلاء لا يعيشون في ذات الشارع الذي يدعون أنهم يمثلون، واذا بحثت عنهم فإنهم في العواصم البعيدة يحملون جنسياتها وجوازات سفرها، ولم يمروا بذات الظروف القاهرة، ولم يشعروا بآلام الفقراء واليتامى ومحنهم ومآسيهم، ولم يحسوا يوما بعذابات الجرحى والأسرى وذوي الشهداء، إنهم بكل بساطة قد انحازوا للباطل، بعد قطعهم مع الحق. يكذب أحد هؤلاء على الجماهير، وهو الذي يظن نفسه العبقري الوحيد في السياسة، فيتحدث من عاصمة العطور، عن فشل القيادة والبرنامج السياسي الفلسطيني!! ويتحدث عن تغيير الوجوه في القيادة، بينما عشرات آلاف المواطنين الفلسطينيين تطحنهم آلة حرب الابادة الدموية الصهيونية، ويشيعون الى المقابر الجماعية بلا ملامح وجوه او اجساد، ولا رائحة في الجو اقوى من رائحة الدم الفلسطيني المسفوك، ولا يكف عن لعب دور المنشط للتمييز بين افراد العائلة الوطنية! والانقسام على أساس الجغرافيا اللعينة التي ما كان للشعب الفلسطيني أي دور في تكريس مسمياتها، وترى هذا وذاك منهم يتحدث عن صناديق الاقتراع، فيما عشرات الآلاف من المواطنين يفككون (صناديق المساعدات الكرتونية) ليحظوا بساعة نوم يستغلونها ما بين غارة لطيران جيش الاحتلال الصهيوني وأخرى، وكأنهم يتحدثون بهذا الخصوص عن جزيرة مجهولة في المحيطات!! وليس عن فلسطين التي باتت كجزر طافية على بحر من الدماء.

إن هؤلاء محترفي النصب السياسي على الجماهير، يحاولون حرف الأنظار عن منطلقات ومخططات وبرامج عمل الصهيونية الدينية والسياسية الاحتلالية والاستيطانية والعنصرية، وتبرئة الأحزاب الاسرائيلية اليمينية الارهابية من اغتيال عملية السلام ، وتحميل القيادة الفلسطينية المسؤولية عن تبعات ونتائج سياسة الحكومات الاسرائيلية ونهجها الارهابي الاجرامي الاحتلالي الاستيطاني، وما قول احدهم بأن سياسة القيادة قد وفرت الغطاء وسهلت الاحتلال والاستيطان فهذا كلام أقل ما يقال فيه أنه ادنى بكثير من مستوى كلام المراهقين في السياسة. يتحدثون عن الوحدة الوطنية، وهم وغيرهم يعلمون أن القيادة لم تضع شروطًا تعجيزية لتحقيق الوحدة، إلا إذا كان – حسب نظرهم - الالتزام بـتأمين وحماية المصالح العليا للشعب الفلسطيني شرطًا تعجيزيًا! إن مصير ومستقبل الشعب الفلسطيني ليس مختبرًا للتجارب الفاشلة والمدمرة.. وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، التزام وطني أخلاقي تجاه الشعب الفلسطيني، وأهدافه التي جسدها المجلس الوطني بنص اعلان ميثاق الاستقلال الصادر عنه سنة 1988، وأهمها قيام دولة فلسطينية على ارض فلسطين التاريخية، إلا إذا اعتبر (هؤلاء) قرارات المجلس الوطني حينها، مجردة من الارادة وطنية، أو مجرد حبر على ورق، فالتطبيق العملي لمنهج الوطنية والتحرر، سيبقى الممر الاجباري لكل مناضل يعمل بإخلاص وصدق وانتماء وطني خالص.