تحل يوم الأحد القادم الموافق 23 يوليو الحالي الذكرى 71 لثورة يوليو 1952 المجيدة، التي قادتها ثلة من الضباط الأحرار الأوفياء والمخلصين للوطن والشعب المصري العظيم، الذين كنسوا الملكية ورموزها، وطهروا المحروسة من وثنية الارتباط والتبعية لبريطانيا غير العظمى، والتي كانت خارجة من أوحال الحرب العالمية الثانية تجرجر أذيال الخيبة والانكفاء، وغياب الشمس عن إمبراطوريتها، وتخليها رغما عنها مع فرنسا الفرانكوفونية عن قيادتهم للإمبريالية الغربية لصالح الولايات المتحدة، ولكنها بقيت وحتى يوم الدنيا هذا أحد أركان الأنغلوساكسونية، وأحد حصونها الخطيرة والمعادية للشعوب المتطلعة لحريتها واستقلالها، فجاءت الثورة المصرية البطلة لتوجه لها ضاربة قاصمة، حاولت لاحقا مع فرنسا وإسرائيل اللقيطة في حرب أكتوبر 1956 استعادة ما خسرته، بيد أن إرادة الشعب وقيادته الثورية بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ووقوف شعوب الأمة العربية وقوى حركة التحرر الوطني العالمية الصاعدة آنذاك تمكنت من هزيمة العدوان الثلاثي، ونجح رمز مصر والأمة العربية في تأميم قناة السويس، وتسليح الجيش المصري وإحداث إصلاح زراعي وتنموي أعاد الحقوق لأصحابها الفلاحين من زمر الإقطاع المصري، وأحدث ثورة شاملة في مختلف ميادين الحياة.


تمكن الخالد جمال من تطهير قيادة الثورة من بعض الأدران، وتصدى بإرادة فولاذية لمؤامرة الإخوان المسلمين أداة الغرب الرأسمالي، وحارب بقوة الشعب وتماسكه وعزيمته القوى الإمبريالية والرجعية العربية المتواطئة معها دون هوادة، وساهم بدماء الأبطال من الجنود والضباط المصريين والعلماء في تحرير العديد من الدول والشعوب العربية والأفريقية والآسيوية، حيث تبوأ مكانة عالمية بتشكيله مع تيتو ونهرو وسوكارنو ونكروما منظومة دول عدم الانحياز، التي تأسست في أبريل 1955، وعقدت مؤتمرها الأول في بلغراد سبتمبر 1961، التي شكلت حاضنة أممية لدول العالم الثالث المنعتقة من براثن الاستعمار الإمبريالي القديم، وتمكنت حركة عدم الانحياز من شق طريق ثالث في التطور الاجتماعي الاقتصادي، فهي لا شرقية ولا غربية، لا رأسمالية ولا اشتراكية شيوعية، ولكنها لم تكن محايدة في الصراع العالمي، لأنها وقفت بقوة إلى جانب العدالة السياسية والاجتماعية والقانونية، ودعمت دون تردد مطلق شعب رفع راية التحرر الوطني. وبدأت بـ 29دولة، ولكنها الآن تضم ما يزيد عن الـ 160 دولة. وإن كانت في زمن تأسيسها الأول أكثر حضورًا ونفوذًا في المشهد العالمي.


عبد الناصر الزعيم العربي العظيم حمل راية القضية الفلسطينية حتى رحيله عن الدنيا في 28 سبتمبر 1970، لا بل كانت قضية حصاره في الفالوجة الفلسطينية عام 1948، وقضية الأسلحة الفاسدة واحدة من عوامل تفجير راية الثورة المصرية الرائدة، وهو من كان وراء تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وتأسيس جيش التحرير الفلسطيني، وهو من حارب مشاريع التوطين، وأنشأ المجموعات الفدائية بقيادة الضابط المصري البطل الشهيد مصطفى حافظ، وهو من احتضن أبناء الشعب العربي الفلسطيني من خلال فتح أبواب الجامعات والمعاهد والمدارس المصرية، واستقبل المئات من الخريجين الفلسطينيين ليعملوا في حقل التدريس في أسوان وسوهاج والصعيد المصري كله، أيادي زعيم الأمة على فلسطين وشعبها وقضيتها ساطعة وبيضاء كالثلج لا يمكن لكائن من كان التنكر لها إلا جماعة الإخوان الفسقة.
وحدث ولا حرج عن احتضانه الثورة اليمنية، ودفاعه المستميت عن خيار الثورة اليمنية بقيادة عبدالله السلال، والثورة الجزائرية بقيادة بن بلا وبومدين وأقرانهم من القيادات الباسلة، وهو من أسس اول وحدة عربية عام 1958 مع سوريا شكري القوتلي، وهو من دافع عن لبنان العربي عام 1958، وتصدى لنظام كميل شمعون وكل أعداء القومية العربية، وهو من دعم ثورة القذافي في ليبيا، ودعم القيادات الوطنية والقومية في السودان، وكانت لعبد الناصر بصمة دامغة في كل قطر عربي.


لهذا كانت وستبقى ثورة يوليو المجيدة رافعة للنضال الوطني والقومي العربي، رغم كل ما حل بها وبأهدافها الوطنية والقومية من انكفاء وتراجع وحتى هزائم، إلا أنها ستبقى حاملة مكانة مصر المركزية والتاريخية في الوطن العربي، وكل محاولات البعض القفز عن دور مصر المحروسة لأسباب ذاتية وموضوعية لن تفلح، لأن عبقرية المكان مازالت حاضرة في الأرض ومتجذرة في الوعي واللاوعي الوطني والقومي.


رحل الزعيم الخالد أبو خالد في 1970، لكنه كل يوم من أيام العرب الراهنة والقادمة يؤكد حضوره العظيم، وفكرة الوحدة العربية لم تمت، ولن تموت، وستنهض ذات فجر قريب. ورحم الله البطل الشهيد جمال، ولمصر الخلود.