مرة تلو الأخرى تتعرى أوروبا من قيم العدالة والنزاهة والديمقراطية، وتؤكد انحيازها للاستعمار الإجلائي الاحلالي الصهيوني على أرض فلسطين، لأنهم بالتكامل مع الإدارات الأميركية المتعاقبة أقاموا إسرائيل الصهيونية، وهم من دعم وطور وحمى الدولة اللقيطة واللاشرعية، ومازال الأوروبيون أسرى السقف السياسي الأميركي، ويخضعون لابتزاز اللوبيات الصهيونية في بلدانهم، ولم يغادروا موقعهم العدائي والعنصري تجاه الشعب العربي الفلسطيني، ويرفضون الاعتراف بحقوقه السياسية والقانونية في وطنه الأم، وينتهجون المعايير المزدوجة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، والصراع الفلسطيني الصهيوني. 


آخر سقطات الرسميون الأوروبيون تجلى في رسالة أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية الموجهة لإسرائيل ولرئيس حكومة الترويكا الفاشية، نتنياهو التي عممتها على الموقع الأوروبي الرسمي على شريط فيديو أمس الخميس الموافق 27 إبريل الحالي، وإدعت فيها زورًا وبهتانًا وكذبًا وإفتراءًا على الحقيقة والواقع بلسانها عندما قالت "اليوم نحتفل بمرور 75 عامًا على ابتداء الديمقراطية في قلب الشرق الأوسط، 75 عامًا من الديناميكية والبراعة والابتكار. لقد جعلتم الصحراء تزهر بالمعنى الحرفي. وهذا ما رأيته بزيارتي للنقب خلال العام الماضي، حريتكم هي حريتنا. عيد ميلاد سعيد لكل شعب إسرائيل".


أي وقاحة هذه التي تحدثت بها دير لاين، وكيف تجرؤ على قلب الحقائق والتاريخ؟ وإلا يعكس هذا الموقف عداءًا مطلقًا للسلام، ولمصالح وحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وتنكرًا لنكبته ولجرائم الحرب التي ترتكب على مدار الساعة ضد أبناء فلسطين حيثما وجدوا؟ هل زارت تلك المرأة العنصرية فلسطين قبل العام 1948؟ وألم تقرأ ما كتبه قادة إسرائيل انفسهم من هيرتزل إلى بن غوريون إلى آخر صهيوني جاء محتلاً ومستعمرًا لفلسطين، عندما تفاجئوا، بأن هناك شعبًا حيًا، وبلاد عامرة بالتطور العمراني والحضاري، فيها المزارع والبيارات والبساتين وسكك الحديد والصحافة والاعلام والاذاعات والرياضة والفن بتجلياته المختلفة من المسرح للموسيقى للتمثيل والفن التشكيلي والنحت، والمدارس والكليات العلمية والاستيراد والتصدير، ومدن فلسطين المختلفة: القدس ويافا وحيفا وعكا وغزة والناصرة وجنين ونابلس وطولكرم والخليل واريحا وخانيونس ورفح والمجدل واسدود وشفاعمرو وصفد وطبريا وبئر السبع كانت جميعها مزدهرة، وتشع بالحياة المدنية، فضلاً عن قراها التي كانت تزخر بالحياة والفلكلور بتلاوينة ومظاهره المختلفة، ووكلات السيارات الأجنبية، وبالتالي على أي أساس أيتها العنصرية تسقطين ذلك، وتتغنين باكاذيب رخيصة ومفضوحة عن الصحراء التي ازهرتها إسرائيل المغتصبة للأرض الفلسطينية؟ اكاذيبك لم تعد تنطلي على الشعوب والنخب الأوروبية التي أخذت تتعرف وتتعمق في المسألة الفلسطينية، وبات هناك قطاع واسع يعرف الحقيقة، وكشف زيف ادعاءاتكم الاستعمارية. 


نعم إسرائيل المارقة والخارجة على القانون كانت دولة ديناميكية وبارعة في الابتكار، لكن في الإرهاب وصناعته، واشعال الأرض الفلسطينية والدول العربية بالحروب والويلات والمصائب، وفي عام النكبة 1948 طردت وشردت إسرائيل الفاشية 950 ألف فلسطيني من ديارهم الى دول الشتات، ودمرت 531 قرية فلسطينية، وارتكبت ما يقرب من المئة مجزرة ومذبحة ضد المواطنين العزل والأبرياء لمجرد كونهم فلسطينيين، ومازالت حتى الان تؤجج الصراع المحتدم مع الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العربية، وترفض خيار السلام الممكن والمقبول. 


هذه هي إسرائيل وديناميكيتها وبراعتها تتجلى في صناعة الموت والجريمة المنظمة بفضل دعم دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية، وحمايتهم لها، وتقديم كل اشكال الأسلحة الحربية الكلاسيكية والحديثة والمتطورة وصولا للأسلحة النووية، وبفضل توجيهاتكم وتبنيكم لخيارات الدولة الفاشية اللقيطة ترفض إسرائيل السلام، وتدير الظهر لخيار حل الدولتين على حدود العام 1967، وتمارس ابشع اشكال الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني، وتحرم أبنائه من أدنى حقوقهم الإنسانية والسياسية والثقافية والقانونية، وباتت دولة مارقة وفوق القانون الدولي بفضلكم، وبفضل حريتكم الكاذبة، الحرية أحادية الجانب، وديمقراطيتكم المزورة والمفضوحة، التي لا تقبل القسمة على الشعوب المظلومة وخاصة الشعب العربي الفلسطيني، الذي قامت إسرائيل برعايتكم ودعمكم لها على انقاض نكبته، ودمرت بناءه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والقانوني والعلمي التربوي منذ 75 عامًا خلت. فعن أي عيد سعيد الذي تتحدثين عنه؟ 


رئيسة المفوضية الأوروبية إن كانت لديها ذرة من المسؤولية تجاه نفسها، وتجاه الشعب العربي الفلسطيني عليها أن تستقيل من موقعها لحفظ ماء وجه دول الاتحاد الأوروبي، وأن تعتذر فورًا للشعب الفلسطيني وقيادته على السقوط المريع الذي سقطته بتنكرها لحقائق التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا ولمواثيق وقرارات الأمم المتحدة، وحتى لقرارات دول الاتحاد الأوروبي، وأن تنزوي في زاوية مظلمة تليق بالجريمة التي ارتكبتها ضد فلسطين وشعبها، وعلى أنصار السلام الأوروبيين أن يجيشوا حملة واسعة ضد ما اقترفته رئيسة المفوضية الأوروبية من تنكر لحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، ونتاج تواطأها مع الفاشية الصهيونية، التي لا تهدد الفلسطينيين فحسب إنما تهدد الإسرائيليين والشعوب الأوروبية والشعب الأميركي، والعمل على الإطاحة بها من موقعها.