خمسة شهور مضت على شغور قصر بعبدا، حيث ما زال الفراغ الرئاسي سيد الموقف، رغم اندفاع بازار المرشحين الموارنة، إلا أن كل من تقدم لنيل ثقة مجلس النواب باء بالفشل، وغادروا المشهد بخفي حنين. وبدا واضحًا أن التوافق الداخلي اللبناني فشل في كسر التابوهات المتناقضة في أوساط امراء الدويلات الطائفية والمذهبية والعائلية/ الحزبية، ولم يتفقوا على مرشح مشترك، ما ضاعف من الغيوم المتلبدة في سماء القصر الرئاسي، ومن تكثيف تدخل الفرقاء العرب والإقليميين والدوليين على خط حل معضلة إملاء كرسي الرئاسة بشخصية تقبل القسمة على كم معقد من المعادلات الذاتية والموضوعية.

ورغم أن زيارة بابرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى للبنان يوم الجمعة الموافق 24/3 الماضي تركزت على ملف العلاقات اللبنانية الإسرائيلية وخاصة ملف الغاز. لا سيما أن إسرائيل بدأت الاستخراج من حقل كاريش، ولبنان ما زال يراوح، ولم يبدأ، إلا أن الزيارة لم تكن بعيدة عن ملف الشغور الرئاسي، وضرورة انتخاب الرئيس التوافقي. لكن يبدو من المتابعين للحراك الأميركي على هذا الصعيد، أن الإدارة ليست متعجلة في حله، وتعمل على إدارته، وتعود الأسباب لرغبة الإدارة في تدفيع اللبنانيين الممانعين للسياسة الأميركية الثمن، ولترويض مواقفهم السياسية لبناء الجسور مع دولة المشروع الصهيونية وفقا لصفقة القرن، وما يسمى "السلام الابراهيمي"، ولحين تمكنها من إيجاد شخصية سياسية تتواءم مع السياسة الأميركية، أضف إلى عدم تعجلها حل أزمة أي نظام عربي، بل تعمل بشكل حثيث لتعميق أزمات مطلق نظام عربي بما في ذلك حلفاؤها.

ولهذا ما زالت الإدارة الأميركية على تباين مع القيادة الفرنسية بهذا الشأن، التي استقبلت الأسبوع الماضي زعيم المردة، سليمان فرنجية، والتقاه مستشار الرئاسة، باتريك دوريل، المسؤول عن الملف اللبناني، كما التقاه الرئيس مانويل ماكرون. لا سيما أن القيادة الفرنسية تدعم ترشيح فرنجية، وتعمل بشكل حثيث من أجل تمهيد الطريق أمامه، وإزالة كل الحواجز والعقبات التي تعترضه، وخاصة المعيقات السعودية، التي ترفض حتى الآن تولي حليف حزب الله وحركة أمل وسوريا، الرئاسة. كما أن القيادة السعودية لم تعد تثق بأي من الرؤساء اللبنانيين، لأنهم لم يفوا يومًا بأي من الوعود التي قطعوها للمملكة، ومن 2008 و2011 وآخرها تجربة 2016 زمن الرئيس هولاند، حيث اتفق آنذاك ميشال عون مع سعد الحريري على تفاهمات، وأعطى ضمانات للسعودية، إلا أنه سرعان ما أخل بها. وبالتالي قيادة العربية السعودية نفضت يدها من كل ما يسمى ضمانات.

ومع ذلك لم تفقد القيادة الفرنسية الأمل بإقناع الملك سلمان وولي عهده محمد بجدية ما قطعه مشروع المرشح الرئاسي، سلمان فرنجية تجاه المملكة، ومنها: أن يكون رئيس الحكومة خيارًا سعوديًا؛ ومنحه الصلاحيات الكاملة في اختيار وزرائه السنة؛ وتفويض الحكومة في إقرار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وصياغة خطة الإصلاح الانقاذية المالية والاقتصادية؛ والأهم عدم منح الثلث المعطل لأي فريق؛ وفي شأن ملف حزب الله، أكد فرنجية البحث في الإستراتيجية الدفاعية، وعدم المس في الأمن والمصالح السعودية خصوصاً والعربية عمومًا؛ بالإضافة لتعميق التنسيق مع الدول العربية بشأن الملف السوري؛ والعمل على حل ملف النازحين السوريين، وإغلاق الحدود السورية اللبنانية للحؤول دون تهريب المخدرات.

لكن السعودية الملدوغة من الجحر اللبناني أكثر من مرة، ليس من السهل أن تقنع بالوعود. وعلى ما يبدو أن فرنسا التي تعيش أزمة معقدة مع الداخل الفرنسي ومع حلفائها الأوروبيين والأميركيين حول أكثر من ملف، لا تملك أوراق القوة التي تؤهلها لمنح ضمانات للسعودية، الأمر الذي قد يعرقل ترشيح فرنجية لحين.

وارتباطًا بذلك ظهر للسطح أسماء محايدين، طرحهم النائب جنبلاط، ومنهم قائد الجيش العماد جوزاف عون، والوزير السابق جهاد ازعور، والنائب السابق صلاح حنين في محاولة لكسر الركود في بازار المرشحين للرئاسة. لكن الثنائي الشيعي متمسك بفرنجية مرشحًا وحيدًا للرئاسة. وكل من سمير جعجع، القوات اللبنانية، وتيار جبران باسيبل وغيرهم من أقطاب الطامحين بالرئاسة يرفضون من حيث المبدأ تولي زعيم المردة الرئاسة، لاكثر من اعتبار، أولاً يخشون تصفية حسابات الماضي؛ ثانيًا لا يقدمونه على أنفسهم؛ ثالثًا ارتباطًا باجنداتهم الخارجية.

ووصول وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية، محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي امس الاثنين الموافق الثالث من إبريل الحالي للبنان له عميق الصلة بملف الشغور الرئاسي، وإبقاء قطر على تماس مع ما يجري في الملف اللبناني، لا سيما أنها تعتبر نفسها ندا للدول الشقيقة الأخرى. وهو ما يزيد ملف الرئاسي ضبابية والتباسًا وغموضًا. ولكن ان تمكنت فرنسا من احداث اختراق في جدار الممانعة السعودية، تصبح طريق فرنجية أقرب إلى قصر بعبدا من غيره من المرشحين. والأيام والأسابيع القادمة تحمل بالضرورة مفاتيح أبواب الحل الرئاسي.

المصدر: الحياة الجديدة