تقرير - معن الريماوي

قبل يومين، طلب ضياء من أصدقائه لفه بعلم فلسطين وتوديعه في مشهد تمثيلي على أنه شهيد ملقًى على الأرض، واليوم أضحى هذا المشهد حقيقيًا، فضياء بات شهيدًا.

عصر أمس الخميس، استشهد الفتى ضياء محمد الريماوي (17 عاما) من بلدة بيت ريما شمال غرب رام الله برصاص الاحتلال، خلال مواجهات اندلعت في قرية عابود، بعد أن تركه الجنود ملقى على الأرض ينزف دمائه، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، فيما أصيب 4 آخرون بجروح مختلفة.

لف ضياء بالعلم الفلسطيني وودع كما طلب من أصدقائه، وكأنه يعلم أن لحظه استشهاده قد اقتربت.

لم يلتأم الجرح في بلدة بيت ريما برحيل الشقيقين جواد وظافر، حتى التحق بهما ضياء شهيدًا، فهو الشهيد الثالث الذي تودعه البلدة خلال ثمانية أيام.

في مجمع فلسطين الطبي، احتضن محمد والد الشهيد نجله وراح يصرخ "ربنا أعطى وربنا أخذ.. الله يرحمك يابا، الله يرحمك يا حبيبي".

وأكمل "فداء الشهداء، وفداء الأسرى، وفداء الجرحى، وفداء الوطن كله.. من يحب ضياء ويحب الشهداء لا يبكي، بل يقول الله يرحمه البطل.. لو راح عشرة من أبنائي هم فداء للوطن".

إصابة الفتى ضياء لم تكن قاتلة وفق تقارير الأطباء، والرصاصة لم تصب أماكن حيوية في الجسم، لكن الاحتلال أصر على احتجازه إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة.

انطلق موكب التشييع بمراسم عسكرية من مجمع فلسطين الطبي، ثم بموكب حاشد إلى مسقط رأسه، وحين وصوله حمله أصدقاؤه ورفاقه على أكتافهم وجابوا به شوارع البلدة التي خيم الحزن عليها.

في ساحة منزل الشهيد، اجتمعت نساء البلدة لمواساة والدته يسرى التي جلست وسط الساحة في انتظار وصول جثمان نجلها البكر. لم تستطع يسرى التحدث ودخلت في نوبة بكاء طويلة.

أما خالة الشهيد ضياء فراحت تردد "ضياء كان طالبها، اله شهرين بحكي أنا إن شاء الله شهيد. انا مش احسن من الشباب الي استشهدوا. وكان يقول يما لا تزعلي ولا تعيطي علي، خلي خالتي تعيط مش انتي، وكرر الأمر أمس قبل خروجه من البيت".

وتابعت: "ضياء كان حنونا، خدوما، يحب مساعدة الناس، كل شخص يطلب منه أمرا يقول له حاضر".

 تقدم النعش محمولا على الأكتاف نحو المنزل، تحركت قريبات الشهيد لرؤيته للمرة الأخيرة، فيما وقفت يسرى وسط الساحة لاستقبال نجلها. علا صوت البكاء حين وضع جثمان ضياء على الأرض أمام والدته، قبلته والدته وقالت "الله معك يما.. الله يرحمك يا حبيبي"، وأخذت تنظر الى جسده الذي يستعد للفراق الأبدي، ثم اختفى صوتها وراء النحيب.

حمل النعش مرة أخرى وخرج من بوابة المنزل دون عودة، لكن يسرى لحقت به ومشت خلف الجنازة، ووقفت أمام المسجد تنتظر خروج ابنها.

وما إن خرج حتى حملت يسرى النعش، وتقدمت المشيعين في مشهد مهيب، وسط هتافات وتكبيرات، فيما تعالت زغاريد يسرى.

كل من عرف ضياء أحبه، لطيبته، وعفويته، وابتسامته الحاضرة دائما والتي لم تفارق وجهه، كان يحب مساعدة الناس، وتقديم العون لهم مهما كانت الظروف. لم تكن لديه اهتمامات كثيرة، غير حب فلسطين.

وضياء طالب في الصف الحادي عشر فرع الأدبي، له من الأخوة شفيق وبراء، ومن الأخوات نور.

ومنذ مطلع العام الجاري، ارتقى 218 شهيدا، بينهم 165 شهيدا في الضفة الغربية و53 شهيدا في قطاع غزة.