استشهد بيتر بولتسر بهذه المقولة في معرض حديثه عن طبيعة استغلال يهود أوروبا لأنظمة الحكم الأوروبية الديمقراطية وكيف استطاعت المجموعات اليهودية المنتشرة في دول القارة العجوز أثناء ذلك ترسيخ ارتباطها المصلحي بالأحزاب القائمة وأنظمة الحكم الممثلة لها.

اليوم وبعد أكثر من سبعة عقود على إقامة الكيان الصهيوني وتحقق رؤية الحركة الصهيونية بعد مئة وخمسة وعشرين عاما على مؤتمرها الأول في بازل، لا يخفى على أحد طبيعة التهديدات الوجودية التي يعاني منها هذا الكيان فعلى الرغم من مجموعة النجاحات التي تتحقق على الصعيد الإقليمي وخاصة فيما أطلق عليه اتفاق أبراهام وتأكيد تفوقها العسكري والاستخباري في المنطقة العربية ما زالت "إسرائيل" تواجه الأسئلة ذاتها منذ ما قبل إقامتها، فكما استغلت المجموعات اليهودية الأوضاع شبه الديمقراطية قبل عقود ترتد الحيلة ذاتها على وليدة تلك المؤامرات "إسرائيل" فها هي المنظمات الإرهابية والفاشية تتسلل لمنظومة الحكم الإثنوقراطية في الكيان، كما أنها تحظى بتأييد واسع من شرائح كبيرة من المجتمع المرعوب، وبعدما حظر الكنيست الإسرائيلي ذاته هذه المنظمات قبل عقود لخطورتها على المجتمع الاستعماري ذاته ها هي تعود بحلة جديدة وبمباركة زعيم المافيا الفاشية اليمينية بنيامين نتنياهو، فاستطلاعات الرأي تعطي لهذه الأحزاب الفاشية عددًا مضاعفًا من المقاعد البرلمانية عما هو عليه الحال في الكنيست الحالي.

بالنسبة للشعب العربي الفلسطيني لن يتغير شيء فحكومة التغيير المدعاة مارست أبشع جرائم القتل والإعدامات الميدانية والاستيطان والتهويد وهدم المنازل متمتعة بغطاء شبه معلن من الأوساط الأميركية والدولية والإقليمية، لذلك فمجيء إيتمار بن غفير والأحزاب الفاشية لا يقدم ولا يؤخر فما يتعرض له الشعب الفلسطيني هو أقسى ما قد ترتكبه حكومة الاحتلال الفاشي.

أما بالنسبة للكيان فلهذه التحولات تداعياتها الاستراتيجية على كافة المستويات فبمجرد وصول هذه العصابة الفاشية وتمكنها من سدة الحكم ستبدأ بتنفيذ مخططاتها المعلنة بتغيير النظام القضائي وإدخال تعديلات دراماتيكية على منظومة القضاء الصهيونية وإقرار قوانين عنصرية فاشية، كما وستباشر بتنفيذ معتقداتها الخاصة في المجالات التعليمية والاجتماعية والاقتصادية وهو ما سيؤدي بشكل مباشر وفوري لحدوث اختلالات في الميزان الاجتماعي فطبيعة هذا المجتمع والانقسامات الحادة المتوارثة منذ زمن "الشتات" أو ما يطلق عليه المنفى ما زالت حاضرة وبقوة وهي ممثلة بالأحزاب الصهيونية وبطبيعة الحال فإن التجاذبات التي ستخلقها هذه التوجهات المتناقضة ستزيد من حالة الانقسام ما سيعزز بالتأكيد تراجع عمل مؤسسات الكيان التي ستصيبها عدوى الانقسامات الإثنية والطائفية.

وبما أن نسبة لا يستهان بها من المتدينين الجدد يتسللون للمنظومة الأمنية ولداخل الجيش وبدأوا يتبوأون مواقع هامة في جيش الاحتلال سيصبح بمقدورهم تحديد أولويات هذا الجيش ولن تكون هذه الأولويات بعيدة عن طبيعة الآيديولوجيا التي يعتنقها هؤلاء. وهذا بالضبط ما حذر منه قادة إسرائيل السابقون والحاليون وما اعتبروه ضربة قاضية للدولة ومؤسساتها "الديمقراطية" في حال تحققه.

المصدر: الحياة الجديدة