حوالي 1400 صهيوني من القيادات والنخب المختلفة أحيوا أمس الأحد الموافق 28 آب/ أغسطس الحالي الذكرى الـ125 للمؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا، وستقام الاحتفالية في ذات القاعة على مدار ثلاثة أيام، التي أعد لها وأشرف عليها المنظمة الصهيونية العالمية بالتعاون مع الاتحاد السويسري للجاليات اليهودية وحكومة كانتون بازل.

سيبدأ الاحتفال في قاعة شتاتكاسينو، التي عقد فيها المؤتمر عام 1897 وحضرها آنذاك 208 مندوبين من الصهاينة. ولحماية الفعالية الصهيونية وضعت الحكومة السويسرية خطة أمنية، رصدت لها موازنة تقدر بـ5,7 ملايين يورو بسبب التحذيرات من المظاهرات المناوئة للصهيونية والمؤيدة للشعب الفلسطيني، وسيتم إغلاق نهر الراين أمام حركة السفن، بالإضافة لإغلاق المجال الجوي طيلة مدة أيام المؤتمر، مع تأمين منطقة القاعة من قبل الآلاف من رجال الأمن.

وسيتم تقسيم الفعالية لجزأين: الأول مؤتمر هرتزل للقيادة، الذي سيركز على الصهيونية الحديثة، والآخر مؤتمر التأثير لريادة الأعمال الاجتماعية والاقتصادية، والذي يستضيف 125 من رواد الأعمال في صناعة التكنولوجيا الفائقة، الذين تم اختيارهم بعناية من بين كم كبير من المرشحين، ويلاحظ أن عددهم بعدد سنوات الذكرى.

وتكريسًا للصداقة الصهيونية السويسرية، التي تكشف عن انتفاء أي حيادية للدولة المضيفة، التي لم يكن بالصدفة اختيارها قبل 125 عامًا لتشريع الحركة الصهيونية، ولا أمس الأحد لإحياء ذات الذكرى، والتي حرصت حكومة كانتون بازل على إخفاء تلك القاعة، وعدم الإفصاح عنها للراغبين من المهتمين والسياح من دول وشعوب العالم لمشاهدتها، لأنها تدرك أنها ارتكبت خطيئة بحق التاريخ وأتباع الديانة اليهودية والشعب العربي الفلسطيني والبشرية. ولكن كون سويسرا جزءًا من المنظومة الرأسمالية الغربية، ومعنية بالمشروع الصهيوني ورعايته وكان مطلوبًا منها تحمل هذا الجزء، لذا فتحت أبوابها للحركة الصهيونية لعقد مؤتمرها الأول، وأيضا تتابع نهجها السياسي المتواطئ مع الحركة الصهيونية ودولة التطهير العرقي الإسرائيلية، فعادت وفتحت أبوابها لإحياء الذكرى المشؤومة، وبالإضافة للرئيس الإسرائيلي هرتسوغ سيتحدث إلى جانبه في احتفالية اليوم الإثنين رئيس وزراء كانتون بازل، بيت يانس، ووزير الاقتصاد، غاي بار ميلين (كان سابقا رئيس لسويسرا) ورئيس المنظمة الصهيونية العالمية، يعقوب هاغول، وسيحضر رئيس الوكالة اليهودية، دورون ألموج.

وتصادف ذكرى المؤتمر الصهيوني الأول مرور ما يزيد على 74 عامًا على ولادة دولة إسرائيل، ونشأت من رحم الإمبريالية العالمية، التي مولت ورعت كل مسيرة الحركة الصهيونية، وأوجدت لها كل ركائز التطور والصعود وتأمين ركائز دولتها الشريرة في أرض فلسطين التاريخية، واستخدمت هرتزل ووايزمان وجابوتنسكي وغيرهم من قادة الحركة الصهيونية وباسم الديانة اليهودية، التي اغتصبوها كرسل ومبشرين للفكرة السوداء، وعرضوا المال والخدمات لزعماء الدول التي جالوا عليها من تركيا إلى الأرجنتين وغيرها. وطبعا المال، هو من أباطرة رأس المال المالي وبالتنسيق مع الزعماء والقادة الأوروبيين والأميركيين، الذين شاءوا من الدولة المارقة لتكون أداتهم في تمزيق وحدة الشعوب العربية ودولهم بعد أن مزقت اتفاقية سايكس بيكو أثناء الحرب العالمية الأولى الدولة العربية الواحدة إلى 22 دويلة، وثم أعلنت وعد بلفور، وأعقب ذلك قرارات مؤتمر سان ريمو، ومن ثم صك الانتداب إلى أن اقامت الدولة الغارقة في الفاشية منذ الإعلان عنها على أنقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني 1948.

والسؤال اليوم متى سيصحو قادة الحركة الصهيونية وزعماء الدولة الاستعمارية الإسرائيلية وحلفاءها في الغرب الرأسمالي كي يعيدوا النظر في فكرة الدولة الشيطانية، التي  تعيش أزمة بنيوية عميقة، ولن تخرج منها إلا بحرب أهلية، وتفكك أوصالها، حتى لو وضعوا لها أرجلاً من خشب، وسلحوها بكل التكنولوجيا، ونقلوا إليها الـ15 مليون يهودي بعد صهينتهم ورصدوا لها ليس 3,8 مليارات دولار سنويًا، وإنما عشرة مليارات دولار أميركي سنويًا، فإنها ماضية بخطى حثيثة نحو الأفول نتاج صعود الفاشية إلى مستويات متوحشة، حتى أن بعض مركباتها الصهيونية لم تعد قادرة على تحمل تبعاتها الداخلية، وهذا ما أكده أمس الأحد خمسة من رؤساء الأركان إيهود باراك، وبوغي، وغابي أشكنازي، وغادي آيزنكوت وغانتس في الندوة المشتركة، التي نظمتها القناة الإسرائيلية الـ(12) على هامش افتتاح مكتبة مكرسة لحفظ "إرث بن غوريون"، رئيس الوزراء الأول، وأجمعوا على أن "انهيار التماسك الاجتماعي الحاصل اليوم داخل إسرائيل، هو أكبر وأكثر خطورة مما يمكن أن تشكله إيران في حال أصبحت نووية." نقلا عن موقع (The times of Israel,Tol).

وعليه فإن تعاظم التناقضات التناحرية بين مركباتها، ورفضها المبدئي لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وحل الدولة الواحدة، كما أعلن زعماؤها نتنياهو وبينيت وغانتس وليبرمان ولبيد وحدث ولا حرج عن شاكيد وسموتيريتش وبن غفير وكل مجرمي الحرب الصهاينة، موضوعيًا وعلميًا يدفع الدولة الفاشية نحو الهاوية شاء قادتها أم أبوا، وشاء قادة الغرب أم أبوا، هذا هو منطق الظواهر اجتماعية أم طبيعية، دولا أم منظمات وأحزاب وحركات.

 

إذن ليحاول المؤتمرون الـ 1400 استخلاص العبر والدروس، وإعادة الحق لأصحابه، والتخلي عن روايتهم المزورة والكاذبة، وليعيشوا بين ظهارني شعوبهم، والشعب العربي الفلسطيني مستعد ولديه الجاهزية لاحتضان كل من يريد أن يعيش معه على أرض وطنه وفق المعايير الوطنية والقومية الفلسطينية العربية، ووفق القوانين الدولية. وهذا ما نادت به ودعت إليه فصائل العمل الوطني مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة بإقامة الدولة العلمانية الواحدة على كل فلسطين التاريخية. الكرة في مرمى قادة الحركة الصهيونية وأسيادهم في دول الغرب الرأسمالي، خاصة الولايات المتحدة الأميركية.

 

المصدر: الحياة الجديدة