لا تستقيم الرواية الفلسطينية دون إعطاء الطفولة دورها الرئيس فيها، من حيث حرمانها من أبسط قواعد ومعايير القانون الدولي الإنساني، ودخولها سوق العمل بحثًا عن لقمة العيش، وانخراطها في الكفاح الوطني، لأن المستعمر الصهيوني فرض على الأطفال الفلسطينيين الخروج من أجمل مراحل حياتهم البسيطة، نتاج حرمانهم من ملاعبهم، ومن الحدائق والأنشطة الطفولية المختلفة، وحول مخيماتهم ومدنهم وقراهم ورياض الأطفال ومدارسهم وشوارعهم وأزقتهم الضيقة إلى ميادين مواجهة، وألقى بهم في قلب الصراع السياسي، وصب عليهم سمومه ووحشيته وعنصريته، ونقل وعيهم بقفزات نوعية، ما دفعهم إلى الانخراط باكرًا جدًا في ميادين الدفاع عن الذات وعن الأم والأسرة والهوية والكرامة الوطنية.

في يوم الطفولة الوطني، الذي حل يوم الثلاثاء الماضي، وما زلنا في حاضرته، خاصة أن أطفال فلسطين يتعرضون يوميًا في ساحات الوطن لأبشع أساليب القهر والمطاردة والاعتقال التعسفي المنافي للقانون الدولي، ولقوانين الطفولة وحقوق الإنسان، وأيضًا للقتل المتعمد وآخرهم الطفل الشهيد محمد زكارنة، الذي ارتقى أمس الاثنين شهيدًا بعد إصابته برصاص عصابة المستعربين في جنين يوم الأحد. فضلاً عن فتاوى الحاخامات والكهانيين وغيرهم من زنادقة ومصاصي الدم الصهاينة الداعية لقتل الأطفال الفلسطينيين، لأنهم يخشون رضاعة حليب أمهاتهم المشبع بالفيتامينات الوطنية والقومية.

ومن المعطيات السريعة عن جرائم دولة التطهير العرقي الإسرائيلية ضد الأطفال الفلسطينيين، نشير إلى أنه منذ عام 2015 وحتى نهاية شهر آذار/ مارس الماضي، اعتقلت القوات الاستعمارية أكثر من (9000) تسعة آلاف طفل، وهناك حتى الآن 160 طفلاً في باستيلات إسرائيل، واستشهد خلال العام المنصرم (78) طفلاً برصاص الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية. ولا يقتصر الأمر على ما تقدم، بل إن أدوات الدولة المارقة العسكرية والأمنية تحول دون وصول الأطفال لمدارسهم في العديد من القرى منها اللبن والساوية جنوب نابلس، والفيحاء واليقظة واليعقوبية وقرطبة والإبراهيمية في الخليل، وفي بيت لحم وجنين وطولكرم وغيرها، فضلاً عن تدمير المدارس بذرائع واهية، كما حصل في محافظات قطاع غزة. ويخضع الأطفال لكل أساليب القمع والتنكيل والتعذيب الوحشي واللاإنساني داخل زنازين الباستيلات الصهيونية.

ونموذجًا للطفولة الفلسطينية أستحضر تجربة الطفل البريء والأعزل أحمد مناصرة، الذي مارست ضده وعليه قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي أبشع وسائل التنكيل، وكان عمره قبل سبع سنوات لا يتجاوز الثلاثة عشر عامًا.

يقول أحمد ملخصًا لحظات اعتقاله، وكيفية التحقيق الهمجي معه، "كنت أمشي بشارع بالقدس والدنيا الظهر، كان عمري 13 سنة، أنا وابن عمي حسين تم إعدامه آنذاك، مش متذكر شو اللي صار، لأنه لما دعستني سيارة اليهود شردت، أنا من جهة وحسين من جهة، قلت أنفذ بريشي، مع إنه السيارة طبشتني وكسرتني، وانحشرت بين أكم جندي نزلوا في شلاليط وضرب، حاولت أقاوم ما قدرت، الدم بكل مكان، سناني تكسروا، ووجهي وبطني، مش عارف من وين انطخيت، مش متذكر. وكل اللي حولي يسبوا علي وعلى أهلي، وأنا بعيط من الوجع". ويتابع أحمد قائلاً "صحيت على هزة سرير وإجري وايدي مربطين، وبتف دم، وكل شوي بيجي جندي يسب علي وعلى شرفي، ويهز السرير عشان أتوجع". وأضاف "بعد 4 أو 5 أيام أخذوني على سجن المسكوبية وبلشوا يقولوا ليش بدك تطعن جندي؟ وأنا بعرفش عن شو بيحكي. مش متذكر غير السيارة اللي دعستنا، وضلهم يضربوا ويسبوا كل يوم". وأردف قائلاً "مرة أخذوني على غرفة كلها زجاج وبلشوا يصرخوا ويقولوا إحكيلي هيك، قول إنك طعنت" جندي؟! ويؤكد أنهم أخذوا إعترافًا كاذبًا منه، وعلى إثر ذلك حكموه 12 سنة اعتقال، ودفع غرامة مالية كبيرة. وصار لأحمد أربعة شهور في العزل الانفرادي، ويعاني من اضطرابات نفسية نتيجة التنكيل الوحشي، والتعذيب النفسي، وإضافة لذلك يوميًا صباحًا ومساء يعطونه منومًا ليبقى في حالة نوم، وبهدف التأثير السلبي على جهازه العصبي.

مضى على أحمد مناصرة قابعًا في المعتقل الإسرائيلي سبع سنوات. غدًا الأربعاء الموافق 13/4 هناك محاكمة لإعادة نظر بقضية الطفل أحمد بسبب الضغط على سلطات الاستعمار. مطلوب منا جميعًا مناصرة الطفل، الذي أمسى شابًا في الأسر للإفراج عنه، ونيل حريته، وتأمين العلاج الطبي الملائم له لاستعادة عافيته.  

 

المصدر الحياة الجديدة