القيادة والشعب الفلسطيني الذي ابتلي باستعمار إجلائي إحلالي استعلائي عنصري صهيوني منذ 74 عامًا خلت، وما زال يدفع يوميًا ثمنًا باهظًا من دم أبنائه وأرض وطنه ومصالحه وحقوقه الوطنية، فضلاً عن عذابات ما يزيد على ستة ملايين لاجئ في دول الشتات، ووقع تحت سيف ومقصلة سلسلة طويلة من المذابح والمجازر والحروب والاجتياحات لا يمكن أن يؤيد الحرب في أي مكان من العالم. ويدعو بشكل متواصل عبر منابره وتصريحات قياداته الشرعية والفصائلية لإحلال السلام، وحماية البشرية من مستنقعات الحروب البينية والإقليمية والدولية بين الشعوب والدول، وإنهاء وإزالة آخر استعمار على وجه الأرض في فلسطين المنكوبة بتواطؤ مباشر وصريح من الولايات المتحدة الأميركية. وتجفيف أسباب النزاعات والتوترات الإرهابية والعسكرية بمختلف عناوينها ومسمياتها، وتعزيز الشراكة والصداقة بين بني الإنسان في الكرة الأرضية.

وعطفًا على ما تقدم، فإن الشعب وقيادة منظمة التحرير والدولة الفلسطينية المحتلة وحكومتها حريصون على عدم التدخل في شؤون الدول والشعوب، ويسعون ضمن قدرات وإمكانات القيادة السياسية والدبلوماسية للتدخل الإيجابي لتقريب المسافات بين القوى المتنازعة هنا أو هناك. وتحرص القيادة بحكمتها على النأي بالنفس عن التورط في أية نزاعات إقليمية أو دولية؛ لأنها معنية كما ذكرت، بإشاعة السلام في أرجاء الأرض، كونها اكتوت، وما زالت تكتوي حتى يوم الدنيا هذا بنيران الاستعمار الوحشي والهمجي الإسرائيلي. ولهذا لم تتدخل في مجرى الحرب الدائرة بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، ورفضت حتى الآن تبني أي من وجهات نظر القيادتين المذكورتين، حرصًا منها على البقاء على الحياد الإيجابي، ولأنها ترتبط بعلاقات دبلوماسية وصداقة مع الشعبين والقيادتين، وكونها لا ترغب في أن تكون طرفًا في الصراع الدائر هناك، ليس لأنها لا تملك وجهة نظر في معطيات الصراع، وإنما لأنها ترفض خيار الحرب، لإدراكها أن كل حرب مهما كانت عادلة أو غير عادلة سيكون لها نتائج كارثية على الشعبين والدولتين وعلى شعوب الكرة الأرضية خاصة في أوروبا وبالضرورة على شعوب الشرق الأوسط.  

من المؤكد أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لها القدرة العالية على التمييز بين الغث والسمين في الصراع الدائر على الحدود الروسية الأوكرانية. ومع ذلك تتفادى الوقوع في شرك الانحياز لهذا الطرف أو ذاك، انطلاقا من حرصها أولاً على رفض خيار الحرب؛ ثانيًا الانشداد لمبدأ المفاوضات السلمية بين القيادات المتصارعة؛ ثالثًا حماية للمصالح الوطنية الفلسطينية مع القيادتين والشعبين؛ رابعًا لإدراكها أن الحرب الراهنة لا تقتصر عند حدود الدولتين الروسية والأوكرانية، وإنما لها امتداداتها العالمية، وكونها جزءًا من إعادة فك وتركيب المنظومة العالمية القائمة، والتي لم تتبلور بعد؛ خامسًا رغبة من القيادة الفلسطينية أن تكون جسرًا للسلام والتواصل بين الشعبين والقيادتين إن أتيح لها لعب مثل هذا الدور في خضم الصراع القائم.

وارتباطًا بما تقدم، تعمل القيادة الفلسطينية على عدم توريط نفسها وشعبها في صراع متشعب، ومتعدد الأبعاد، وله تداعيات كونية، وبتفهم من القيادتين الروسية والأوكرانية مع الفارق بينهما لحساسية الموقف الفلسطيني. وستبقى منظمة التحرير مشدودة باتجاه مؤشر البوصلة الفلسطيني القائم على ركائز الشرعية الدولية ومنظوماتها ومواثيقها ومعاهداتها ذات الصلة بالحروب والصراعات. وهذا الموقف المبدئي لقيادة منظمة التحرير ودولتها المحتلة بعيد كل البعد عن النزعات الانتهازية الرخيصة، لا بل إنه يستند إلى شجاعة وفطنة ومسؤولية عالية تجاه الذات الوطنية والقومية وتجاه طرفي الصراع.

ومن المؤكد أن الشرعية الفلسطينية معنية وتدفع بتكريس حل الصراع بالطرق السلمية بعيدًا عن دوي القذائف والمدافع وبما يخدم مصالح الشعبين الجارين، اللذين تربطهما وشائج وعلاقات تتعدى حدود الجوار التقليدي بين الدول، ولن تتوانى في التدخل الإيجابي في الوقت المناسب، وفي حال قبل الطرفان التدخل الفلسطيني الإيجابي للإسهام بوقف نزيف الدم والبارود، لأن خيار السلام، هو الخيار الأمثل والأنجع والأكرم والأقدر على خدمة مصالح الشعبين وشعوب الأرض قاطبة.

المصدر: الحياة الجديدة