بات يعلم الجميع قادة وأقطاب دولية وهيئات أممية أن دولة التطهير العرقي الإسرائيلية ترفض من حيث المبدأ خيار السلام، ولا تقبل القسمة على حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. ومنذ 27 عامًا وهي تماطل وتسوف وتتهرب من استحقاق التسوية السياسية، ولجأت للالتفاف على الحل السياسي بطرح مشاريع وهمية مرة "الحل الاقتصادي"؛ وأخرى " تعزيز الثقة بين الطرفين"؛ وثالثة " تقديم تسهيلات حياتية للفلسطينيين"؛ ورابعة إلقاء مشاريع وهمية عبر أدواتها، وخامسة "الدولة ذات الحدود المؤقتة"؛ وسادسة "دولة في قطاع غزة وحكم إداري في الضفة"؛ وسابعة استئجار الأغوار لأربعين سنة لتأبيد البقاء في الأرض الفلسطينية؛ وثامنة دفع دول أوروبية لترتيب لقاءات بين وفود إسرائيلية وفلسطينية للسياحة بذريعة الحوار، وأي من الطرفين لا يملك المكانة السياسية، ولا القدرة على تنفيذ حرف واحد من كل الثرثرات والاقتراحات التي يبلورونها؛ وأخيرًا خرج علينا وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، باختراع "الكيانين" في محاولة للهروب من الخيار الذي تبناه العالم بما في ذلك إدارة الرئيس جو بايدن، وهو حل الدولتين أنف الذكر.

والعنوان الأخير من ألاعيب القيادة الإسرائيلية جاء طرحه في مؤتمر السياسة والأمن القومي في ميونيخ بألمانيا يوم الأحد الموافق 20 فبراير الحالي على لسان غانتس، ردًا على سؤال الصحفية سعاد مَخنت من صحيفة "واشنطن بوست"، التي بادرت بسؤاله عما ورد في كلمته أمام المؤتمر: هل تقصد بكلامك أننا "سنجد أنفسنا مع الفلسطينيين في طريق "حل الدولتين." رد عليها: "لقد اخترت تعبيري بعناية، أقصد "كيانين"، وليس دولتين على حدود ما قبل يونيو 1967، على طريق اتخاذ قرارات تاريخية وفق مبدأ أمن إسرائيل."! 

ونقلت عنه صحيفة "الجيروزليم بوست" الإسرائيلية في ذات اليوم "إن الحديث عن "حل الدولتين" يأخذنا إلى إطار سابق، وهي عبارة تعطي أوهام بحدود 1967، وما إلى ذلك، وأشياء لا يمكن أن تحدث." وتابع في متاهته قائلًا "هذا هو السبب في أنني قلت حل الكيانين الذي سنتحقق فيه مع بعضنا البعض كيف يمكننا ضمان الحقوق الفلسطينية من ناحية مع الحفاظ على الاحتياجات الأمنية لإسرائيل من ناحية أخرى."

من الواضح ان أساليب المناورة والتذاكي الإسرائيلية المفرطة تهدف إلى استغباء الفلسطينيين، وتضليل العالم، ومواصلة سياسة التسويف والمماطلة، والالتفاف على خيار حل الدولتين، ولمواصلة الاستيطان الاستعماري في أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967، والتذرع ب"الأمن" للبقاء في الأغوار الفلسطينية، وطبعًا رفض الانسحاب من القدس العاصمة الفلسطينية، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين والمراوحة في دوامة الحل الاقتصادي والحكم الإداري الذاتي في أسوأ أشكاله ومعاييره السياسية.

ولا أعتقد أن وزير الحرب الإسرائيلي لا يعرف أنَّ قرار التقسيم الدولي 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947، الذي أقر بوجود دولة إسرائيل على 56% من أرض فلسطين التاريخية يؤكد على وجود دولة فلسطينية على مساحة ال44% الباقية؛ ثانيًا ولا أعتقد أنه لا يعلم بأن وزير خراجية إسرائيل آنذاك، موشيه شاريت وقع رسميًا على تعهد وفقًا للقرار 203 لعام 1948 والقرار 194 لذات العام بإقامة الدولة الفلسطينية والسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم التي طردوا منها، وأخيرًا القرار 2334 الصادر أمس القريب في 23 كانون أول / ديسمبر 2016 الذي أكد على تلك الحقائق؛ ثالثًا لا أعتقد أنه يستطيع تجاهل اعتراف العالم في 29 نوفمبر 2012 بالقرار الدولي 67/19 الذي اعترف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 كدولة مراقب، وهناك المئات من القرارات الدولية ذات الصلة تعترف بالحقوق الوطنية الفلسطينية على جزء من تراب فلسطين التاريخية، الوطن الفلسطيني التاريخي على مساحة ال27 ألف و9 كيلو متر مربع وهذه هي الحقوق الفلسطيبنية المقبولة، ولا مجال للقبول بغيرها. ومن يريد السلام ومعني بمنح الفلسطينيين حقوقهم عليه أن يلتزم باستحقاقات السلام كاملة غير منقوصة.

وبالمحصلة إن كان يعلم أو لا يعلم عن تلك الوثائق والقرارات الأممية، يفترض أن يعلم جيدًا جدًا، هو وكل المكونات السياسية والأمنية العسكرية والحزبية والدينية الصهيونية، ومعهم الولايات المتحدة إن الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية لن تتنازل أكثر مما تنازلت، ولن تقبل بأقل من دولة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967، والقدس الشرقية عاصمتها الأبدية، وحدودها على التَّماس مباشرة مع حدود المملكة الأردنية الشقيقة دون نقصان مليمتر واحد، وضمان عودة اللاجئين على أساس القرار الدولي 194 وتعويضهم. والتوقف عن استعمال ذريعة الأمن الممجوجة وفاقدة الأهلية. لأن أبناء الشعب العربي الفلسطيني هم أحوج ما يكون للأمن والحماية الدولية من إرهاب الدولة الإسرائيلية المنظم، والسيطرة على أراضيها واجوائها ومياهها الإقليمية وثرواتها الطبيعية. غير ذلك يعني إدامة الصراع، والعودة للمربع صفر وبشكل دراماتيكي لا يبقي ولا يذر لخيار حل الدولتين.

المصدر: الحياة الجديدة.