لا شيء يساوي العزيمة والإصرار في واقع ما يحققا في النفس البشرية من قدرة على تحقيق التطلعات والغايات، أيًا كانت طبيعتها،  وكلما كانت العزيمة وكان الإصرار محمولين على الحق، والعدل، والخير، والجمال، كان التحدي لمختلف الصعاب، والعراقيل، شجاعًا في حضوره، بليغًا في قوته وقدرته على تحقيق غاياته النبيلة. 

يثبت أهالي القدس المحتلة في مختلف أحيائها، وخاصة في الشيخ جراح اليوم، هذه الحقيقة، وهم يواصلون تحديهم لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي التعسفية العنيفة، الرامية لإفراغ القدس من أهلها، يثبتونها وبمنتهى العزيمة، والإصرار، ما أجبر الاحتلال على الإعلان عن إجراءات جديدة بغاية تخفيف التوتر- حسب مصطلحاته- في المدينة المقدسة، ومنها أنه لن يضع حواجز عسكرية، ولا شرطية، عند باب العامود، كما يفعل دائمًا، وتأجيل قرار إخلاء منزل عائلة الحاجة فاطمة سالم إلى أجل غير مسمى حتى الآن، وفق ما أعلن محامي العائلة ماجد غنيم.

إنها العزيمة الفلسطينية، بإصرارها الوطني، والتي ترجمتها القيادة الفلسطينية بحراك سياسي ودبلوماسي في مختلف ساحات المجتمع الدولي لتخليق الضغط الممكن على دولة الاحتلال، لتوقف هذه السياسات العنيفة، ضد فلسطين وشعبها وخاصة في هذه الأيام، ضد القدس وأهلها.  

ولا شك أن هذا الحراك السياسي والدبلوماسي، بالعزيمة ذاتها، وبالإصرار ذاته، قد بات يحقق شيئًا من غاياته النبيلة، نحو تحقيق الضغط الدولي المطلوب، حتى في إطار استنكار إجراءات الاحتلال، والتنديد بها، وثمة مواقف دولية، وعربية، بليغة في مطالبتها إسرائيل، بوقف هذه الإجراءات التعسفية العنيفة، وتكريس الموقف بشأن حل الدولتين سبيلًا لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام، في هذه المنطقة الحيوية من العالم. ولابد أن نذكر في هذا السياق، بالرسالة الفلسطينية الواضحة التي أطلقها للعالم أجمع سيادة الرئيس أبو مازن عبر مهاتفته للحاجة فاطمة سالم الاسبوع الماضي ومهاتفته يوم امس للشاب محمد العجلوني المصاب بمتلازمة "داون" بعد اعتداء جنود الاحتلال عليه بالضرب المبرح، خلافًا لكل القيم والاخلاق الانسانية، مشيدًا خلال هذه المهاتفة بتضحيات أهلنا في القدس المحتلة، وصمودهم في وجه اجراءات الاحتلال التعسفية، ما يعزز الرسالة الفلسطينية مرة اخرى، والتي قالت بمنتهى القوة، اننا لن نرضخ أبدًا لارادة الاحتلال، هذا الذي لن يدوم طويلًا، وسيحسب التاريخ لأبناء شعبنا في القدس المحتلة، هذا التجسيد الملحمي لحقيقة العزيمة والإصرار، كقوة معنوية قادرة على تحدي مختلف الصعاب، ودائمًا بصياغتها الفلسطينية، بليغة الوضوح في قرارها الوطني المستقل، للمضي قدمًا في دروب الحرية حتى تحقيق كامل أهداف شعبنا العادلة، وانتزاع حقوقه المشروعة كافة.

بلا أية شعارات ثورجية فارغة، وتهديدات استعراضية، تقول القدس بأهلها كلمة المقاومة الشعبية السلمية، فتؤكد صواب الكلمة، وقدرتها على مواجهة أجدى للاحتلال ومستوطنيه، واسألوا المستوطن الإرهابي "بن غفير" عن هذه الحقيقة، قبل أن تسألوا أي أحد آخر. 

المصدر: الحياة الجديدة