نستعد لدخول مرحلة نضالية تاريخية جديدة، نستشرف ملامحها بِكل وضوح مع كل موجة جرائم  وحملات عدوان تشنها منظومة الاحتلال الإسرائيلي على شعبنا، نعتقد بضرورة تصويب مصطلحات خطابنا السياسي والثقافي،  لتصبح كاملة التوافق والانسجام والتطابق مع برنامجنا السياسي الوطني، المستلهم من نص وثيقة الاستقلال المعلنة في الدورة التاسعة عشرة  للمجلس الوطني الفلسطيني في الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1988. 
ونؤكد هنا على مصطلح  (الحق) المطلق الذي كان وما زال حاضرا في رسالتنا الثقافية، ومسه بعض الغموض لدى فئة اشتغلت بالسياسة، تميزت بقصر نظر،  وانفعال شديد مقصود ومصطنع في أحيان كثيرة منه، أدى لطغيان مفاهيمها (الرغبوية) على المعاني الحقيقية للمصطلح التي كرست في إعلان وثيقة الاستقلال، الوثيقة التي يتحدى قائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، رئيس الشعب  سيادة الرئيس محمود عباس أن يثبت له أي كان الخروج عن مضمونها ولو بمقدار حرف واحد، ويمكننا قراءة ذلك ابتداء من أول كلمة وجملة وفقرة في الوثيقة حيث ابتدأت: "على أرض الرسالات السماوية إلى البشر، على أرض فلسطين ولد الشعب العربي الفلسطيني، نما وتطور، وأبدع وجوده الإنساني والوطني عبر علاقة عضوية التي لا انفصام فيها ولا انقطاع بين الشعب والأرض والتاريخ". وفي فقرة أخرى نقرأ: "وعلى قاعدة الإيمان بالحقوق الثابتة". وقبل فقرة: "إعلان قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف"، وردت الجملة التالية: "واستنادًا إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين"،  وهذا يجب ألا يغيب عن بصيرة مناضل وطني فلسطيني أيا كان مشربه النظري السياسي .. فوثيقة الاستقلال التي  أردناها انطلاقة لمرحلة نضالية جديدة تتجسد فيها الواقعية والعقلانية السياسية، كانت الحافظ الأمين للحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني في أرض وطنه فلسطين، كما كانت محفوظة في مبادئ حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، وميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، وعليه فإن هدفنا الأول والأخير انتزاع هذا الحق، بأساليب كفاح مشروعة كالمقاومة الشعبية السلمية والنضال القانوني والدبلوماسي والسياسي في المحافل الدولية، ونعتقد أن الاطلاع على معنى (الحق) – بفتح الحاء - في قواميس اللغة العربية ستجعلنا أكثر يقينا ورغبة في استخدام هذا المصطلح في خطابنا السياسي، فقد ورد في المعاجم عن معانيه أنه: "الثابت الذي لا يجوز إنكاره"، وهذا ما جسدته المقدمة الموسعة لوثيقة الاستقلال، وللحق معنى "الصواب  ضد الباطل"، وقد دلت وثيقة الاستقلال على الباطل باستخدام عبارة "الأكذوبة و"التزييف التاريخي".  
مما تقدم نستخلص أننا لا نخوض صراعًا مع مستخدم ووكيل القوى الاستعمارية المنشأ حديثًا على أرضنا بالقوة والاحتلال والاستيطان المسمى (إسرائيل)، والممنوح الضوء الأخضر لارتكاب جرائم الحرب، إنما نناضل لانتزاع حقنا التاريخي في أرض وطننا فلسطين، التي في وعينا وذاكرتنا ونورثها للأجيال هي التي دفعت ساسة منظومة الاحتلال الإسرائيلي لشن حملة مبيتة على سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن بسبب خريطة فلسطين الكاملة بحدودها ومدنها التاريخية الأصلية في صدر باحة سفارة دولة فلسطين في تونس التي افتتحها قبل أيام مع نظيره رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، فمعظم معاني الصراع  في اللغة – حسب القواميس- تقلل من شأن نضالنا لانتزاع حقنا التاريخي حيث وردت معانيه بأنه "صراع خصومة ومنافسة" وأنه "تضارب الأهداف ما يؤدّي إلى الخلاف أو التصارع بين قوَّتين أو جماعتين" ونعتقد أن هذا المعنى قابل للإسقاط على الصراعات الداخلية في مجتمع واحد كالطائفية والمذهبية والفكرية مثلا. وفي كل الأحوال فإن المعاني كافة لا تنطبق لغويًا على الكفاح والنضال الفلسطيني ضد المشروع الاستعماري الصهيوني العنصري القائم على الخرافة الصهيونية والكذبة التاريخية التي يسعون لجعلها أمرًا واقعًا بالتطهير العرقي والتهجير والمجازر.  
والسؤال الهام الآن: هل سنمضي باستخدام عبارة "الحل العادل للقضية الفلسطينية"، ونقصد مصطلح "القضية".  إذا لم تستجب منظومة الاحتلال الإسرائيلي لإرادة المجتمع الدولي، وتنفذ قرارات الشرعية الدولية ؟! أم أننا سنستخدم مصطلحا آخر (الانتصار لحق الشعب الفلسطيني) لأن مصطلح "القضية "يعني مما يعنيه: "مسألةٌ يُتنازَعُ فيها وتُعرَضُ على القاضي أو القُضاة للبحثِ والفَصْل".  أما في السياسة فإنها حسب القاموس "قَضِيَّةٌ فِي مَحَلِّ نِزَاعٍ" عدا عن معانيها المنطقية والشرعية التي لا تنطبق علينا أيضا ففي المنطق القضية تعني "قولٌ مكوَّنٌ من موضوع ومحمول يحتمل الصِّدقَ والكذبَ لذاته، ويَصِحُّ أَن يكونَ موضوعًا للبرهنة".  

 

المصدر: الحياة الجديدة