المرأة في العالم عمومًا وفي فلسطين خصوصًا تستحق منا جميعًا الانحناء لعطاءاتها، وتكريم مكانتها، ورفع شأنها حيثما استطعنا، وكلما أتيح لنا ذلك وصولاً لتمكينها من بلوغ حقها الطبيعي في المجتمع كند للرجل في الحقوق والواجبات.

مضى أمس الأول الثلاثاء، اليوم الوطني للمرأة بهدوء، ودون اهتمام يذكر، لدرجة أن بعض المؤسسات النسوية الفلسطينية تحفظت على هذا السكون، وكأن المجتمع لا يعبأ بيوم نصف المجتمع، ونصفه الأجمل والأكثر عطاءً، والنصف الفاعل في حقول الحياة المختلفة. الذي قد يكون ناجمًا عن أن اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية لم يترسخ في الأذهان والوعي الوطني الجمعي؛ لأن الحكومة أقرته عام 2019، وكان الأجدر بالمنابر الإعلامية من المؤسسات النسوية الرسمية والأهلية وضع برامج لسلسلة من الفعاليات لتهيئة الشارع الفلسطيني ليومها، ولإيلائه الاهتمام المطلوب، واعطائه الزخم الواجب.

لأن المجتمع الفلسطيني عمومًا يعي أهمية ومكانة المرأة الفلسطينية، ولا يدخر النصف الخشن جهدًا للاحتفاء بالمرأة، وإنصافها، ومنحها ما تستحق من القيمة والأهمية، لا سيما وأن الجزء الذكوري من المجتمع يقر ويرغب بالاحتفاء بالمرأة ليس بثلاثة أيام في السنة (يوم المرأة العالمي، وعيد الأم، والعيد الوطني للمرأة)، وإنما بأيام عدة، لأنها تستحق التكريم العام والدوري على مدار العام، وإرفاق تلك الأيام بإصدار القوانين والتشريعات الحامية لحقوقها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والسياسية والثقافية، والتصدي للعادات والتقاليد البالية والمسيئة للمرأة، والمنتقصة من حقوقها، والمضطهدة لها بشكل جائر ومعيب بمجتمع كفاحي كالمجتمع الفلسطيني.

نعم، مازال المجتمع الفلسطيني يواجه تحديات كبيرة على صعيد تحرر المرأة، لأن بعض قطاعاته تعاني من التخلف والنقص في إدراك أهمية مساواة المرأة بالرجل، والخضوع لابتزاز القوى الظلامية من المدارس والأحزاب الدينية المعادية لنهضة وتطور وتنوير المجتمع. رغم أن تلك القوى تستثمر وتستغل جهود المرأة في تحقيق أغراضها المختلفة. ومع ذلك عندما يحين الجد، ووقت الإنصاف لها، ترتد لجذورها وخلفياتها الذكورية والظلامية البائدة.

ولهذا إن شاء المجتمع الفلسطيني الانتصار لذاته، ولتطوره الديمقراطي تملي الضرورة عليه تحرير المرأة من كل مخلفات الماضي، والدفع بها قدمًا للأمام لترتقي لمكانتها الموازية والمساوية على الأرض للرجل. ولا يكفي لتحرير المرأة من قبضة البؤس والعشائرية والقبلية والعادات والتقاليد البالية، والسياسات الظلامية بسن القوانين والتشريعات فقط، وإنما إقران القول بالفعل لتصبح حقيقة واقعة على الأرض، وتترسخ في الوعي الجمعي الفلسطيني، وذلك أيضًا يتم بالتخلي عن نظام الكوتا على أهميته؛ لأن المساواة لا تنتصر بالكوتا، وإنما بالجمع والتلازم في التطبيق والممارسة العملية بين البعدين القانوني وترجماته في الواقع.

مؤكد أن اختيار يوم المرأة الوطني في 26 تشرين الأول/أكتوبر من كل عام كان اختيارًا موفقًا ونبيهًا وذكيًا، لأنه جاء امتدادًا لعقد أول مؤتمر نسوي في القدس في ذات اليوم من عام 1929، وعشية هبة البراق العظيمة. كما أنه تلازم مع تأسيس الاتحاد النسائي العربي في القدس في أعقاب الهبة المجيدة من العام نفسه، ما شكل رافعة للنضال الوطني عمومًا، وليس لكفاح المرأة الفلسطينية فقط. الأمر الذي يتطلب نشر الوعي بهذه المناسبات المهمة في كفاح المرأة الفلسطينية التحرري الوطني والاجتماعي. ولإدراك أن المرأة الفلسطينية لم تبدأ النضال أمس في زمن الثورة الفلسطينية المعاصر، لا، المرأة الفلسطينية خرجت في أول مظاهرة لها في العام 1893 من القرن التاسع عشر ضد بناء مستعمرة صهيونية على أرض فلسطين آنذاك، وهو ما يعني أن المرأة الفلسطينية كانت متقدمة في نضوجها وإدراكها مسؤولياتها الوطنية والاجتماعية باكرًا وباكرًا جدًا، ومتقدمة على النساء في العديد من دول العالم.

ونضالها اليوم هو امتداد لهذا التاريخ الطويل من الكفاح، حيث وقفت المرأة منذ وعت دورها ومكانتها جنبا إلى جنب وكتفا إلى كتف مع الرجل في كل محطات الكفاح الوطني في مواجهة المشروع الكولونيالي الصهيوني عندما كان نواة، وقدمت التضحيات على المستويات كلها، وارتقت سلم العلم والثقافة والفن والمعرفة وفنون القتال والدعم والإسناد في المعارك المختلفة، والدليل على مواصلة المرأة لدورها الريادي وجود حوالي أربعين ماجدة من ماجدات الشعب الفلسطيني في سجون وزنازين العدو الصهيوني، ضاربة كل يوم النموذج الفذ على دورها ومكانتها في المجتمع الفلسطيني في كل الحقول الكفاحية والعلمية والإبداعية وفي حقل الأمومة والتربية، فضلا عن دورها الإنساني.

في يوم المرأة الفلسطينية لا نملك إلا تقديم أعظم وأجمل وأطيب التحايا للمرأة الفلسطينية، ودعم كل خياراتها الوطنية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية وفي مقدمتها دعم مساواتها الكاملة بالرجل، وكل عام والمرأة بخير.

 

المصدر: الحياة الجديدة