زيارة ثانية لرئيس المخابرات المصرية، عباس كامل يوم الأربعاء الماضي الموافق 18 آب/ أغسطس الحالي خلال ثلاثة أشهر لكل من إسرائيل وفلسطين المحتلة لتحريك المياه الراكدة في الملفات الرئيسية: ملف التسوية السياسية، وملف التهدئة بعد مواجهات رمضان في أيار/مايو الماضي، وملف تبادل الأسرى، وملف إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وملف المصالحة الفلسطينية الفلسطينية والمنحة القطرية وملف العلاقات الثنائية المشتركة بين مصر وكل من فلسطين ودولة الاستعمار الإسرائيلية. وكانت الزيارة السابقة في نهاية أيار/مايو الماضي، والتي شملت أيضا محافظات الجنوب، والتقى فيها الوزير كامل آنذاك يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في غزة.  

والزيارات الثلاث المتعاقبة للوزير كامل لرام الله منذ بداية العام (كانت الزيارة الأولى في 17 كانون الثاني/يناير 2021 مع اللواء أحمد حسني، رئيس المخابرات الأردنية) تعكس الاهتمام المصري بالملف الفلسطيني، وتأكيد من قبلها مع الشقيقة الأردن على أولوية ومركزية القضية الفلسطينية، واعتبارها ركنا أساسا في ملف الأمن الوطني لكلا البلدين، وواسطة الرحى في الأمن القومي العربي. كما أن مصر تسعى بمساعيها الدؤوبة إلى إعادة التأكيد على دورها الريادي في الوطن العربي، لذا زياراتها تهدف إلى انتشال المشهد الفلسطيني من حالة المراوحة عبر صياغة مشروع خطة عمل لجسر العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية بعد هبة القدس الرمضانية ومواجهات القطاع من 10 إلى 21 أيار/مايو الماضي، وإحداث اختراق في الملفات المذكورة آنفًا. أضف إلى أن خطواتها لا تتم بشكل منفرد وبعيدًا عن الولايات المتحدة، أو عن الشركاء العرب والأوروبيين، خاصة مجموعة هامبورغ الرباعية (مصر، الأردن، فرنسا وألمانيا)، لا بل بتكامل وتنسيق كامل. 
وما دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئيس حكومة إسرائيل، نفتالي بينت، التي حملها وزير الأمن كامل من قبيل الصدفة إلا رغبة من المحروسة في ترطيب الأجواء، وربطها ذلك مع خطوة إسرائيلية إيجابية في الملفات المختلفة، خاصة الملف السياسي، ولإعطاء مصر مصداقية لحراكها، اتفقت مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بعد لقاء (كامل) مع غانتس، وزير الأمن في ذات اليوم لإرسال وفد للقاء نظرائه المصريين لبحث الملفات ذات الاهتمام المشترك. وتحرك فعلاً ومباشرة الوفد الأمني الإسرائيلي إلى شرم الشيخ للتنسيق والبحث في الملفات المشتركة. 
مع ذلك، وأرجو أن أكون مخطئًا، لا أعتقد أن الحراك المصري وقبله الأردني والأميركي يمكن أن يغير من منطق الصهيوني المتطرف بينيت، لأنه يرفض من حيث المبدأ خيار السلام، ولا يقبل القسمة على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، ومعروف أنه رفض التعامل بإيجابية مع الدعوة الأميركية، التي حملها كل من انتوني بلينكن، ووليم بيرنز وهادي عمرو خلال زياراتهم المتعاقبة لإسرائيل وفلسطين المحتلة باللقاء مع القيادة الفلسطينية، وحتى لم يقبل إجراء اتصال هاتفي وترك الأمر لبيني غانتس والرئيس الإسرائيلي الجديد، هيرتسوغ. وبالتالي الجهد المصري الإيجابي قد لا يثمر حصادًا، وإنما حصرما، لأن الحكومة الإسرائيلية الحالية، تعتبر حكومة مخصية من حيث المبدأ، ولا تملك القدرة وفق مركباتها غير المتجانسة على تقديم أي خطوة إيجابية. 
لكنها ممكن على صعيد التهدئة، والمنحة القطرية (التي عولجت مبدئيا عبر الأمم المتحدة)، وتبادل الأسرى وتوسيع وتعميق التطبيع مع الدول الشقيقة ستأخذ وتعطي فيها، وتحاول تحقيق مكاسب لصالحها. غير ذلك يبدو من الصعب الافتراض إحداث أي تحرك إيجابي، ليس لأنها لا تستطيع وفق مركباتها فقط، وإنما لأنها لا تريد من حيث المبدأ. لا سيما وأنها تشعر أن الإدارة الأميركية، رغم مواقفها السياسية الإيجابية المعلنة، إلا أنها تضغط بالاتجاه العكسي، أي على القيادة الفلسطينية، وتتبنى الرؤية الإسرائيلية. إذًا لماذا تقدم أي تنازل لصالح القيادة الفلسطينية؟ وعلى أي أساس ستذهب إلى ما يتناقض مع رؤاها الإيديولوجية والسياسية الاستعمارية، ولحساب منْ؟ 
من الصعب استشراف أية نتائج إيجابية إلا بما يخدم إسرائيل ومصالحها الاستعمارية، وهذا لا تقبل به القيادة المصرية الشقيقة، ولا تقبل به أيضًا القيادة الأردنية الشقيقة، والنتيجة أن الملف الفلسطيني الإسرائيلي سيبقى رهين الرؤية الاستعمارية الإسرائيلية إلا إذا تغيرت المواقف الأممية خاصة الأميركية، وفي حال أعاد العرب أولوياتهم، وتمسكوا فعلاً بمبادرة السلام العربية، وتم تطوير الكفاح الشعبي الفلسطيني في مختلف المحافظات والمدن، ومع حدوث اختراق في ملف المصالحة الوطنية.