يبقى برهان الساسة على صحة وصواب القوانين المحلية والدولية بكل أصنافها ومسمياتها ومضامينها مرتبطًا بإتقانهم تطبيقها عمليًا، أما إذا فشلوا فإن الخسارة كالفيضان تتجاوز مواقعهم وبيئتهم الرسمية لتغمر المجتمع وتحوله إلى مستنقع دائم تتكاثر فيه حشرات سامة وناقلة للأمراض، أو مؤقت يربك مسار الحياة الطبيعية، ويعطل المشاريع  خاصة إذا كان ممزوجًا بخليط من التراكمات البيئية الضارة.  

يتوقف نجاح السياسي اليوم على كفاءته وخبرته وإبداعه، وسعة معرفته وعلومه وثقافته القانونية في الدائرتين المحلية والدولية، فالسياسة المعرفة بأنها "علم وفن إصلاح الأمور" ستبقى ممارستها وتطبيقاتها قاصرة ما لم ترفع على قواعد القانون، فالقوانين لدى دول العالم بات لازمًا انسجامها وتوافقها مع مبادئ ونصوص القوانين الدولية لتصبح نموذجًا حيًا قابلاً للتطبيق دون عثرات أو انتكاسات، أو انكسارات وشروخ في بنية الدولة بغض النظر عن مستوى استقلالها وسيادتها.  
قد ينجح بعض الساسة – أو قد يظنون ذلك أو قد يحسبهم البعض أنهم قد نجحوا- حتى لو عملوا في بيئة فاقدة أو طاردة لأي شكل من أشكال القانون، حتى لو أوهموا الناس أن مشيئتهم وسلطانهم هو النموذج المثالي للقانون، لكن نظرة موضوعية فاحصة لواقعهم ستؤكد لكل باحث أن بينهم وبين القانون مثل ما بين الأرض وسابع سماء، ذلك أن إنصياع وخضوع العامة لا يعني احترامهم، كما لا يعني قناعتهم، فقد يكون خوفًا ودرءًا للتهلكة، فالقوانين إما أن تكون منسجمة مع روح العصر وثقافة العامة المتنورة والمتطورة المتصلة بجذور حضارية صحيحة سليمة وليس المزورة أو المعلبة الجاهزة المستوردة، أو تلك المنبوشة من قبور التاريخ البعيد جدًا .. لذلك سيكون مستحيلاً على دولة تعيش سنوات القرن الواحد والعشرين أن تشرعن قوانينها التمييز بين مواطنيها على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو اللون، وتقرر قوانين محسوبة كفصول دستورية لكنها مشبعة بالعنصرية، أو متخلفة مستحضرة من بيئة غارقة في قاع الزمن يستحيل تفاعلها مع وقائع اليوم والغد (الحاضر والمستقبل).  
يبلغ النجاح في عالم السياسة من امتلك ناصية علومها، وأبدع  تطبيق نظرياتها، ومن كان له فرصة ثمينة ليسير في جادة القانون، أما من عرف قدر نفسه ولم يحظ بالثقافة القانونية المحلية والدولية فإن مبدعي وظيفة المستشار القانوني قد وفروا المفقود في مسيرة السياسي، ولا يعني هذا أن المستشار القانوني في هذه الحالة بمثابة (عكازة) لحفظ توازن الشخصية لا أكثر أو (ترزي) يفصل ويحيك حسب المقاس، وإنما على العكس تمامًا، فهو السكة الموازية التي يسير عليها قطار الدولة بتوازن واستقرار وسلام، هو العين والبصيرة الأخرى، فالرؤية الأحادية لا تكتمل، فلا سياسة دون قانون، ولا قانون دون سياسة تثبت عدالته، فالسياسة والقانون توأمان متصلان بقلب واحد ودماغ واحد، يمتلكان قدرة الحركة والفعل ولكن ليس دون ضوابط التوازن والتناغم والانسجام.