في سابقة هي الأولى تعترف الشرطة الإسرائيلية بمسؤولية جهاز "الشاباك" عن حماية ودعم كل عصابات المجرمين القتلة في المدن والبلدات الفلسطينية، وتؤمن لهم الحماية والحصانة، وإطلاق يدهم في العيث فسادًا وفوضى وتخريبًا وتمزيقًا لوحدة النسيج الوطني والاجتماعي في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة.

جاء ذلك نقلًا عما أعلنته القناة الإسرائيلية الـ"12" مساء يوم الأربعاء الموافق 30 حزيران/ يونيو الماضي في أعقاب اجتماع جمع المفتش العام للشرطة، يعقوب شبتاي مع وزير الأمن الداخلي في الحكومة الجديدة، عومير بار – ليف في الآونة الأخيرة، حيث أكد المفتش شبتاي أن "غالبية قادة الأعمال الإجرامية في المجتمع الفلسطيني، هم متعاونون مع جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، الأمر الذي يحد من القدرة على العمل ضدهم. وأضاف أن يدي الشرطة مكبلة، لأن أولئك المجرمين يتمتعون بالحصانة من جهاز "الشاباك".

وكان وزير الأمن الداخلي لفت نظر المفتش العام للشرطة خلال الاجتماع، إلى ان الفلسطينيين "نسبوا للشرطة مسؤولية التسبب في أحداث العنف، التي اندلعت في المدن المختلطة خلال أيار/ مايو الماضي أثناء الهبة الشعبية رفضًا للاعتداءات الإسرائيلية في القدس والعدوان الأخير على قطاع غزة". وردًا على ذلك أكد شبتاي، أن الشرطة مقيدة اليدين أمام تغول أفراد العصابات والمافيات المحمية من رجال "الشاباك"، ما يحول دون تمكنها من القيام بمهامها في الوسط الفلسطيني.

وتناسى المفتش العام والوزير بار – ليف أن ملف الجرائم داخل الوسط الفلسطيني العربي، الذي طال حتى الآن خمسين ضحية منذ بداية العام الحالي (2021) لا يتوقف عند حدود شهر ايار/ مايو الماضي، ولا عند هبة القدس ولا العدوان الإجرامي الأخير على محافظات الجنوب الفلسطينية، وإنما سابق ذلك بزمن بعيد، لا سيما أن المنظومة الأمنية الصهيونية، حتى قبل نشوء وتأسيس دولة المشروع الصهيوني في أيار/ مايو 1948 على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني، حيث قامت تلك العصابات الصهيونية (تحولت بعد الدولة لأجهزة امنية) بتعميد المبدأ الإنجليزي "فرق تسد" من خلال نشر وترويج الإشاعات والأكاذيب، بالإضافة لتنفيذ عمليات قتل متعمدة في أوساط القرى والمدن لتعميق التناقضات البينية بين العائلات الفلسطينية والنسيج الاجتماعي عمومًا، فضلًا عن المذابح والمجازر المتلازمة مع عمليات الطرد والتهجير القسري والإجباري العنصري للجماهير الفلسطينية من مدنها وقراها لتحقيق هدف الحركة الصهيونية في إقامة الدولة الكولونيالية الإجلائية الاقتلاعية والإحلالية على أنقاض ومصالح الشعب الفلسطيني.

وواصلت تلك الأجهزة الصهيونية مخططها الإجرامي بعد قيام دولة التطهير العرقي من خلال تجذير وترسيخ عمليات القتل لدس الفتنة، وتعميق العصبوية العائلية والدينية والمذهبية والجهوية، لا سيما أنها (الأجهزة الأمنية) قامت وفق مخطط جهنمي تخريبي يتكئ على ذات المبدأ الناظم لعملها، وتحقيقًا لأهدافها في بلوغ عملية التطهير العرقي لأبناء الشعب الفلسطيني في الـ 48 عبر خلق هويات مناطقية وطائفية ومذهبية ومجموعات دينية متنافرة، وبحقوق متباينة ومتمايزة. وما زالت تلك الأجهزة تواصل خيارها الاستعماري العنصري، ومن ضمنها جهاز الشرطة، الذي لا يمكن تبرئته من دوره التفتيتي والإجرامي والإرهابي في استباحة أبناء الشعب الفلسطيني.

لكن بالعودة لجادة اعتراف شبتاي رسميا بدور "الشاباك" والاسباب الكامنة وراء ذلك، وعن حماية العصابات الإجرامية في الوسط الفلسطيني، وتسريب ذلك لإحدى القنوات الإسرائيلية (القناة الـ12)، والسماح بنشره، فإن الإعلان لم يأت من فراغ، ولا هو ردة فعل آنية لمجرد ان وزير الأمن الداخلي اشار لما ينسب لدور الشرطة الاجرامي ضد الجماهير الفلسطينية في المدن المختلطة اثناء هبة القدس العظيمة والعدوان على غزة في ايار/ مايو الماضي، وإذا كان الأمر لا يقع في دائرة ردود الافعال، إذًا ما هي الأسباب، حسبما اعتقد، إنها تكمن في اولا قيام المتنفذين في السلطة التنفيذية من الليكود في نشر وتعميم الخبر لخلق بلبلة داخل اجهزة الأمن، وتشويش عمل الحكومة الجديدة (بينت/ لبيد) لتعظيم الارباكات امامها؛ ثانيا وجود صراع خفي بين قادة الأجهزة الأمنية، وتصفية حسابات فيما بينهم؛ ثالثا الأزمة العامة التي تضرب جذورها عميقة في دولة المشروع الصهيونية؛ رابعا التغطية على فشل دور الشرطة الاسرائيلية الإجرامي في الوسط الفلسطيني، وعلى افلاسها في القيام بمهامها، ومحاولة حرف بوصلة الانظار عن دورها التخريبي.

بعيدًا عن الأسباب فإن المهم بالنسبة للمجتمع العربي الفلسطيني وقواه ونخبه السياسية في الداخل، هو الإمساك بإقرار واعتراف إحدى المؤسسات الأمنية الإسرائيلية بدور دولة الإرهاب المنظم الصهيونية ومسؤولية أجهزتها عن عمليات القتل والاستهداف لأبناء الشعب العزل والأبرياء لتعميق الصراعات والفتن بينهم، وتحميل المسؤولية للجماهير الفلسطينية تحت يافطة الواقع الاجتماعي المتخلف، والأبعاد العشائرية والقبلية والعائلية لتبرئة الدولة الصهيونية الاستعمارية المنتجة والمؤصلة للإرهاب وعمليات التطهير العرقي، وهو ما يحتم على النواب الفلسطينيين في الكنيست والقوى السياسية والثقافية والنخب المختلفة وخاصة القانونية الحقوقية في ملاحقة تلك الأجهزة ومساءلتها قدر المستطاع، وفضحها وتعريتها بشكل دوري ومتواصل لتحميلها المسؤولية الكاملة عن كل جرائم القتل هذا العام وخلال السنوات الماضية، ورفع ذلك للهيئات الحقوقية الدولية كمحكمة الجنايات الدولية ومجلس حقوق الإنسان لملاحقة المسؤولين عن تلك الجرائم دون استثناء.