هل كانت اتفاقيات التطبيع بين أنظمة رسمية أعضاء في الجامعة العربية مع المنظومة الصهيونية الاحتلالية الاستعمارية العنصرية التي خطط لها وجسدها كأمر واقع صاحب الخطة الاستعمارية الجديدة بلفور الثاني دونالد ترامب وسماها "اتفاقيات ابراهام"- تطويرًا وتوسعة لدور ووظيفة إسرائيل في المنطقة، أم مرحلة جديدة من المخطط الاستعماري يمكن كيان المنظومة الصهيونية من لعب  دور إقليمي في المنطقة، أم اختراقًا ما بعده اختراق لجبهة الثقافة الروحية عند شعوب المنطقة؟؟؟

الصهيونية كمنظومة أو تنظيم أو نظام تجسد في دولة سميت إسرائيل كانت ومازالت عنصرا غريبا عن كتاب تاريخ المنطقة ومكوناته بكل ما فيه من فصول حتى أكثرها ظلمًا وسوداوية وعنصرية.. لذلك لم تفلح في اختراق جدار الثقافة العربية أو إيجاد موطئ قدم لها إلا في بعض مجتمعات سياسية رسمية عربية رصيدها الثقافي على المستويين المحلي والعربي وحتى العالمي صفر كبير. وهذا ما سهل على نتنياهو الخادم الأمين لمتطلبات المرحلة الاستعمارية الترامبية عملية الاختراق، ما يعني إزاحة مقومات الشخصية العربية ومبادئ الثقافة وجواهرها الإنسانية كالحرية والعدالة والتسامح وتقديس روح الإنسان وإسقاطها نهائيًا من البنية المتكاملة للشخصية العربية، لإحلال (روبوت آدمي) صهيوني عنصري استعماري ظالم دموي إرهابي يشرعن الجريمة ويعتبر سفك دماء (الأغيار) عملًا مقدسا.

 لو فكرنا بتزامن افتتاح سفارة المنظومة الصهيونية لدى مشيخة محمد بن زايد الإماراتية مع ذروة الحملة الاستعمارية على القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وزحمة مشاريع تهويد المدينة المقدسة ورموزها الدينية أيضًا، لوصلنا إلى خلاصة مفادها أن الدول الاستعمارية التي رعت المنظومة الصهيونية ومازالت تمنحها أسباب الحياة والقوة تعمل على إحداث اختراقات في العمق الاستراتيجي  العربي للقضية الفلسطينية تدريجيًا ابتداء من النقاط الرخوة الضعيفة ثقافيًا، الغنية ماديًا، بعد فشلها في اختراق المقومات الثقافية للشخصية العربية في دول عربية عريقة رغم توقيعها اتفاقات سلام مع (إسرائيل).. فما يحدث اليوم أن المنظومة الصهيونية استطاعت إنشاء مواقع ارتكازية لها في بيئة رسمية عربية لطالما روجت دعاية عن ذاتها تصورها كنظم رسمية محافظة حريصة على الشريعة والدين وقيم المجتمعات العربية وتراثها وغير ذلك من العناوين، وتجزل العطايا والجوائز بالملايين، وهذا يشبه إلى حد بعيد اختراق المنظومة الصهيونية لما يسمى الجماعات والتنظيمات المستخدمة للدين، الحديثة منها المواكبة لوعد بلفور أو التي نشأت في ظل الدولة العثمانية، حيث أسست في أدبيات هذه الجماعات ما يدعم توجهها في تجميع اليهود الصهاينة وحشدهم مع اليهود غير الصهاينة تحت يافطة التحذير الدائم من خطر إنهاء وجودهم. وساعدهم في ذلك خطاب الجماعات المستخدمة للدين مثل الإخوان المسلمين ومشتقاتهم، وآخرين ورثوا الخطاب الديني ونقلوه دون التفكير العميق بمضمونه أو التمعن بأهدافه أو البحث عن أصله ومصدره ومقاصد مؤلفه، فنجحت الصهيونية في استثمار الخلط بين الدين والسياسة في المنطقة، الهدف فلسطين ومحيطها العربي والإقليمي لضمان استدامة الصراع على أسس دينية، فيما عملت بكل قوتها على إنشاء قواعد لشرعنة الاستعمار والاستيطان والاحتلال العنصري ورفعتها على أساسات دينية لدى مجتمعات كانت ومازالت البيئة والتربة الخصبة التي تم استنبات بذرة الصهيونية فيها وتحديدًا الدينية التي استخدمت لشرعنة الغزوات الأوروبية لفلسطين (حروب الفرنجة) المعروفة بالحروب الصليبية.

لن يفلح الصهاينة اليهود في إعادة تركيب عناصر المنظومة الصهيونية وهي: اليهودية والعبرانية والإسرائيلية، بعدما استطاع المثقف الفلسطيني والعربي المناضل تفكيك هذه العناصر المكونة (للخرافة الصهيونية) وبعدما كشف استحالة الجمع بين هذه العناصر نظرًا لاختلاف مكوناتها المادية، فكما أن الجمع بين الماء والنار مستحيل، فإن الجمع بين اليهودية كمعتقد وبني إسرائيل كعرق بشري مستحيل.

انتهت أمس أعمال مؤتمر "الرواية الصهيونية ما بين النقض والتفكيك" ليومين متتاليين نظمته مفوضية المنظمات الأهلية وغير الحكومية في حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، مع جامعة القدس المفتوحة، ونعتقد أن الأبحاث والدراسات التي قدمت (32) كافية للمؤمنين بالشخصية والهوية الوطنية لتقديم الرواية الفلسطينية باعتبارها الحق والحقيقة على أرض فلسطين بكل ثقة، وإزاحة  الرواية الصهيونية من الوعي الفردي والجمعي عند مؤيديها ومسانديها والمتعاطفين معها حتى لو كانوا يهودا وإقناعهم بأن الصهيونية خرافة تكاد تطيح بالسلم والاستقرار ليس في فلسطين والمنطقة الحضارية في الشرق الأوسط وحسب بل في العالم.