بالتعاون بين مفوضية المنظمات الأهلية وجامعة القدس المفتوحة، وبدعم ورعاية من الرئيس أبو مازن، ورئيس الوزراء محمد اشتية عقد مؤتمر "الرواية الصهيونية ما بين النقض والتفكيك"، على مدار اليومين الماضيين الثلاثاء والأربعاء في قاعة الهلال الأحمر الفلسطيني، شارك فيه نخبة مكونة من 19 باحثًا، وليس 18 كما هو مدون في الكتيب من المختصين والباحثين الأكاديميين من فلسطين ومن دول عربية خاصة من مصر والأردن عبر الزوم، وتم تناول عددا كبيرًا ومكثفًا من المحاور ذات الصلة بنقض وتفكيك الرواية الصهيونية الزائفة. فضلًا عن مداخلتين مهمتين للرئيس أبو مازن والدكتور محمد اشتية اسهمتا في إثراء الحوار العلمي.

كما تملي الضرورة الإقرار بدور الفريق الكبير من الإداريين والمنظمين، الذين بذلوا جهودا متميزة لإنجاح المؤتمر. ولولا جهودهم ومثابرتهم وعطاؤهم لما حقق المؤتمر العلمي والمحكم النتائج المرجوة، رغم أيّة ملاحظات سلبية وقعت سهوا ودون قصد. 

ودون الدخول في تفاصيل الأبحاث، التي عرضت في المؤتمر، التي يفترض أن تصدر لاحقا في كتاب لتعميم المعرفة والإسهامات القيمة، التي تضمنتها، لا سيما وأنها (الأبحاث) طالت أوجها عديدة من العناوين ذات الصلة بالحركة الصهيونية، وحتى أن بعض الأبحاث أسهمت في تغيير قناعات عدد من الباحثين، وعلى سبيل المثال لا الحصر تم تعميم قناعة بفعل المثاقفة؛ منها الفصل التام بين اليهودية والعبرية والصهيونية؛ لأن الصهيونية لا علاقة لها بالدين اليهودي، كما أن مفهوم العبري لا يمت بصلة لليهودية، فاليهودية دين بغض النظر عن أية ملاحظات على كتبة التوراة، وما حملته أهواؤهم وإسقاطاتهم من تلفيق وتزوير، وإدخال للبعد الأساطيري الخزعبلاتي في متن التوراة وأسفارها، والتلمود والزابور، والتناخ عمومًا. أما عابر، فهي تعود لعابر النهر أو الطريق، أو غير المستقر والمتنقل.... إلخ.

تكمن أهمية المؤتمر من وجهة نظري في عدد من المسائل، أهمها: أولا- إثارة ملف الصهيونية، والسعي لنقضها وتفكيكها، وليس نقدها، أو تسجيل الملاحظات عليها، أو تسليط الضوء على  محطات تطورها، فهذه الموضوعات قدم فيها مئات إن لم يكن آلاف الأبحاث، وبالتالي يعتبر عنوان المؤتمر وما حملته الأبحاث من إضاءات عميقة لحظة نوعية في مسار وجهود الباحثين الفلسطينيين والعرب، ومحاولة جادة لمعرفة الصهيونية على حقيقتها، وتوسيع وتعميق عملية المثقافة الفلسطينية والعربية مع الباحثين والمختصين من الإسرائيليين والأجانب، الذين عالجوا الملف. ومع أن المؤتمر ليس الأول في هذا الحقل، بيد أنه من المؤتمرات الأولى، التي تعالج الموضوع. ثانيًا- تأخر الباحثون الفلسطينيون في إعمال الفكر والعقل في هذا الملف، غير أن الشروع بالتركيز عليه الآن يعتبر نقلة مهمة في ترشيد الوعي الفلسطيني والعربي عموما حول الرواية الصهيونية الزائفة، المغتصبة للدين اليهودي. ما تقدم، لا ينتقص من الجهود الفردية للعديد من الباحثين الفلسطينيين والعرب من ثمانينيات القرن الماضي، لكن لم يتم توسيع عملية المشاركة، ولم تول المراكز البحثية ملف الصهيونية ونقضها الجهد الكافي. وحتى بعض المختصين بقوا أسرى مدارسهم الكلاسيكية السابقة، ولم يحاولوا تطوير أدواتهم المعرفية في هذا الموضوع، وساد في أوساطهم الجمود العقائدي، لأنهم بقوا أصناما لما تعلموه في المدرسة القديمة. ثالثًا- وعليه أعتقد جازما أن المؤتمر حرك المياه الراكدة لدى البعض، ولا أستطيع أن أجزم أنه شمل الكل، لأن هناك من لا يقبل القسمة على الإقرار بتخلف قراءته للصهيونية، وبقي هذا البعض يخلط بين الصهيونية واليهودية والعبرية. رابعًا- أهمية عملية التفكيك والنقض للرواية الصهيونية في تعميد وتجذير الرواية الفلسطينية العربية، وترسيخها كحقيقة ثابتة، وأثر ذلك على الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسرائيلي والعالمي مع تصاعد الكفاح الشعبي الفلسطيني في مختلف الحقول والميادين والساحات. خامسًا- كما أن المؤتمر لم يقتصر في أبحاثه عند حدود التاريخ، إنما مزج بين القديم والحديث، وربط السياقات السياسية الصهيونية والغربية الرسمية مع التطورات الجارية لتعميم دور ومكانة دولة المشروع الصهيوني في الإقليم والعالم وخاصة ما يتعلق بما سمي "السلام الإبراهيمي" وصفقة القرن، ونقل الدور الوظيفي من مرحلة دنيا لمرحلة أعلى... إلخ.

هناك قضايا وملفات عديدة أولاها الباحثون الأهمية، وعمقوا دراساتهم باستخلاصات وتوصيات سيكون لها الأثر المهم في تركيز الجهود الفلسطينية والعربية على تفكيك ونقض الرواية الصهيونية، ومن خلالها التأكيد على إفلاس المشروع الكولونيالي الصهيوني، حيث تشير صيرورته الحتمية نحو الاضمحلال والاندثار وفقًا لمعطيات العلم والواقع المعطى خلال القرن الماضي.