كيف لانتصار عظيم أن ينتهي إلى عقد هدنة طويلة الأمد...؟؟ الهدنة وبأبسط تقدير لحقيقتها، وواقعها العسكري والسياسي، لا تعقد بين منتصر، ومهزوم، وإنما، وبحسن عمل الوسطاء وجهودهم، هي بين طرفين لم يتمكنا في لحظة ميدانية، من إنهاء الحرب بنتيجة محسومة لأي منهما..!!

والهدنة طويلة الأمد تبريد لا للسلاح فحسب، وإنما لخطب السياسة، والأمن، بين طرفيها، وفي حالة حماس، والحديث بأنها ستذهب إلى هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، بخلاف خطابها الشعبوي عن المقاومة والتحرير!! فإنها بمثل هذه الهدنة، تسلم وتقر على نحو واقعي، لا بعدم قدرتها على حسم الحرب لصالحها بنصر لا تشكيك فيه ولا جدال فحسب، وإنما بحقيقتها التساومية كذلك، فترجو زمنًا من الهدوء الشامل، يمكنها من تعزيز الانقسام، وتكريس الإمارة الإخوانية، والذي سيقول إن هدف حماس من وراء الهدنة طويلة الأمد غير هذا الهدف، فإنه على أقل تقدير سيجانب الصواب، ولعل الغاية التي في نفس يعقوب تبرر له ذلك، وإن كانت الغايات الغامضة، التي تحتمل الشبهة دائمًا، لا تقبل التبرير أبدًا!!!
خمس حروب شهدها قطاع غزة، منذ انقلبت حماس على الشرعية فيه، وبالعمل العسكري العنيف والدموي، خمس حروب أحالت القطاع إلى جريح نازف، وكلها انتهت كما الحرب الأخيرة باتفاقات تهدئة، لم تتمكن حتى من تشغيل عجلة إعادة الإعمار للقطاع المكلوم، والأمر الوحيد الذي شغلته هو الصراف الآلي تحت رقابة أجهزة الأمن الإسرائيلية...!! خمس حروب خلفت لنا مئات الشهداء، وآلاف الجرحى والمشردين، ومشهدًا من الخراب ما زال يدمي قلوبنا، وما ثمة حراك من حماس ولا سياسة ولا مواقف تشير إلى أنها ستسمح لعملية إعادة الإعمار أن تمضي في طريقها الشرعية، لأن غايتها الاستحواذ على كل شيء في القطاع لا تساويها على ما يبدو غاية أخرى، بدلالة ما تمارس من سياسات إقصائية وانقسامية هناك!!
لا نتجنى على حماس في كل ذلك، وقد باتت بعد الحرب الأخيرة لا تظهر أي مسعى لتحقيق المصالحة الوطنية، بل إنها نبذت كل التفاهمات التي سبقت الحرب، التفاهمات التي خلقت أفضل الأجواء لتحقيق المصالحة، وطي صفحة الانقسام البغيض!! لا بل إن حماس اليوم وقد ذهبت إلى أبشع عملية استغلال لدم الضحية المرحوم نزار بنات، قد كشفت على نحو لا يقبل التأويل، ولا المخاتلة، شهوتها المحمومة لإسقاط السلطة الوطنية!!!! والواقع لو كان إسقاط السلطة، هدفا تريده حماس على قاعدة وبرنامج تحرير فلسطين، وإقامة الجمهورية الفاضلة بمسار ديمقراطي بليغ، وبلا هتافات خلا كثيرها من الواقعية، والروح الوحدوية، فيما كان بعضها منحطًا على الصعيد الأخلاقي، لكان الهدف وطنيًا وثوريًا على نحو لا لبس فيه، ولن نجد حينها ما نقول غير على بركة الله، وشعبنا دومًا لا يقبل بغير التحرير، ولا يتطلع لغير الجمهورية الفاضلة.
لكن حماس لم ترفع شعارًا واحدًا في تظاهرات المعارضة!!! يقول لنا نواياها التصالحية الطيبة، وإنما قالت لنا وما زالت تقول عبر وسائلها الإعلامية وفضائياتها المساندة!! ما ينبئ بغاياتها التقسيمية الانقسامية بأهدأ توصيف!!!!
لكن وبرغم كل هذا الهجوم الذي غاياته الاستراتيجية في المحصلة تصفية المشروع الوطني التحرري سنظل نقول ونؤكد لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة، ولو كره الواهمون والمنافقون والشعبويون والمتأمرون من كل لون ونوع.