بعد استمزاج الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين آراء الكتل الحزبية الـ12 في الكنيست الـ24 بشأن تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة، إنحازت كتل اليمين والحريديم المتطرفة لصالح رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، وحصل على دعم 52 نائبًا، في حين حصل منافسه يئير لبيد، زعيم المعارضة على دعم 45 نائبًا، ما منح الألوية في التكليف للفاسد نتنياهو، الذي بدأت محاكمته الاثنين الماضي، على تهم قضايا الفساد الأربعة. وأعلن ريفلين في مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء عن تفويض المقيم في شارع بلفور. بيد أنه قال: "إنه لا يمكن لأحد المرشحين تشكيل حكومة تحظى بثقة الكنيست". وأضاف مشددًا على أن "أي مرشح لا يملك فرصة حقيقية لتشكيل الحكومة". وبحسب قناة "مكان" الإسرائيلية، في حال فشل زعيم الليكود من تشكيل الحكومة خلال الـ28 يومًا القادمة، أما أن يفوضه لإسبوعين إضافيين أو يكلف مرشحًا آخر لمدة 28 يومًا، أو إعادة التفويض للكنيست.

وسيمنح الكنيست مدة 3 أسابيع بعد نقل التفويض له، بهدف التوافق على مرشح من بينهم يحظى على ثقة أغلبية 61 عضوا، وستكون أمام مرشح التوافق (أن تمكنوا من إيجاده) فرصة أسبوعين لتشكيل الحكومة. وإن لم يتفقوا على مرشح توافقي، وهو الاحتمال الأكبر خلال مهلة الأسابيع الثلاثة سيتم التوجه للانتخابات الخامسة خلال أقل من عامين، التي يفترض أن تكون في 14 أيلول/سبتمبر المقبل.

ويبدو السيناريو الأخير، هو الأكثر ترجيحًا، وانسجامًا مع لوحة المشهد الحزبي الإسرائيلية. ويعود الاستنتاج للتعقيد الموجود في المواءمة مع الكتل والأحزاب المشكلة للكنيست الجديد. فنتنياهو يمكن أن يتمكن (إن تمكن من ذلك) من حشد 59 مقعدًا في حال تراجع بينت عن خيار المنافسة على تشكيل الحكومة، ودعم الحاوي الفاسد، مع ذلك سيحتاج إلى مقعدين للحصول على ثقة 61 نائبًا، وهو ما يفرض عليه وعلى كتل اليمين والحريديم المتطرفين القبول بدعم القائمة العربية الموحدة، بزعامة منصور عباس من الخارج، وهو ما أكده رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية للرئيس ريفلين. غير أن الاستعصاء يتمثل بموقف بتسليئل سموتريتش، زعيم الصهيونية الدينية، الذي رفض من حيث المبدأ دعم "راعم" من الخارج لاعتبارات أيديولوجية عنصرية.

وفي حال فشل الرجل الفاسد في تشكيل الحكومة، وهو الافتراض الواقعي، فإن الرئيس الإسرائيلي سيكلف بالضرورة لبيد، زعيم "يوجد مستقبل"، إن لم يتنازل لصالح بينت فيما إذا توافقا على الشراكة، وهذا الأمر مستبعد، لأن حاضنة زعيم "يمينًا" هو اليمين المتطرف، ولا يقبل القسمة على الشراكة مع لبيد. المهم سيحصد رئيس "يش عتيد" على 57 مقعدا في حال دعمه حزب "أمل جديد" و"يمينًا" بالإضافة لحزب "أزرق أبيض" و"يسرائيل بيتينو" وحزب العمل وميرتس، وبالتالي سيحتاج لدعم للموحدة أو جزء من القائمة المشتركة الثلاثية من الخارج. والخيار الثالث هو ترشيح شخص آخر من الليكود بديلا عن نتنياهو، وعقد صفقة مع ساكن شارع بلفور ليتولى رئاسة الدولة الصهيونية مقابل ترك رئاسة الحكومة. ولا يوجد وفق الصورة القائمة سوى هذه السيناريوهات الثلاثة.

ورغم ما نلاحظه من تشدد زائد من قبل قوى اليمين الصهيوني المتطرف الفاشي، إلا أن المعروف عن القوى الصهيونية المختلفة تاريخيًا أنها كاذبة حتى النخاع، ويمكن أن تدخل في لعبة السمسرة على حساب المواقف الأيديولوجية، ولا يوجد ضابط يلزمها لا فكري ولا سياسي. أضف إلى أن قوى الحريديم ممثلة بكل من حزبي "شاس" و"يهتدوت هتوراة" تعمل بتوجيهات من حليفهم المركزي، نتنياهو على فكفكة مواقف "يمينا" بزعامة بينت أولا للعودة لحاضنتة الأساسية، وكذلك الأمر مع جدعون ساعر، زعيم حزب "أمل جديد" لذات الهدف؛ وثانيا لإقناع الصهيونية الدينية ويمينا لقبول دعم الحركة الإسلامية الجنوبية من الخارج، الجاهزة والمستعدة لتقديم العون لنتنياهو.

مع ذلك، فإن طريق تشكيل حكومة جديدة برئاسة أي من المتنافسين الرئيسيين نتنياهو ولبيد محفوفة بالمخاطر والتعقيدات المختلفة، منها أولًا عدم قدرة أي منهما على تقديم الرشوة الحكومية والمالية الكفيلة بإغراء أي من قوى الاستعصاء الصهيونية؛ ثانيًا إمكانية اتخاذ المحكمة قرارًا ضد نتنياهو في قضايا الفساد المتهم بها، ما سيقوض فرصته مرة وإلى الأبد في تشكيل حكومة؛ ثالثًا الرغبة من قبل بينت وساعر بتصفية حساب مع نتنياهو، على اعتبار أن دوره في قيادة اليمين المتطرف انتهى، ويجب أن يخلي الموقع برغبته أو رغمًا عنه. وقادم الأيام وحده يملك التقرير فيما ستؤول اليه الأمور في الساحة الإسرائيلية.