لم يكن ممكنًا أن تقرر الأمم المتحدة عام سبعة وسبعين من القرن الماضي، يومًا دوليًا للتضامن مع الشعب الفلسطيني، لو لم يكن شعبنا بحركته الوطنية، وبسردية كفاحه البطولي الواقعية، قد أكد للعالم أجمع، حقيقة قضيته الوطنية، كقضية سياسية، وإنسانية، بحقوق مشروعة، وأهداف عادلة، وتطلعات إنسانية نبيلة، لا بل أنه جعل بتضحياته العظيمة من سيرته الحيوية، سيرة أسطورية في النضال من أجل الحق والعدل والحرية والسلام، حتى باتت فلسطين مهوى أفئدة الأحرار في كل مكان، ورمزًا من ورموزهم المقدسة. 

كان العالم في منظمته الأممية يصحو في العام 77 لا على الحقيقة الفلسطينية فحسب، وقد باتت مالئة الدنيا، وشاغلة الناس، وإنما كذلك على حقيقة تقصيره الفادح في رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، الظلم الذي ساهم في تشكيله، حين جعل من قرار التقسيم رقم 181 عام 1947 قرارًا باتجاه واحد، أقام "الدولة اليهودية" ولم يعمل على قيام "الدولة العربية" التي دعا القرار الأممي إلى قيامها..!! 

نسي العالم في الأمم المتحدة، قرار التقسيم فتذكره عام 77 حين لم يعد بالإمكان تجاوز الرقم الفلسطيني الصعب في معادلة الصراع الفلسطيني العربي- الاسرائيلي، فقرر يومًا دوليًا للتضامن مع الشعب الفلسطيني، في التاسع والعشرين من تشرين ثاني (نوفمبر) من كل عام، وهو ذات اليوم من عام 47 الذي اتخذ فيه قرار التقسيم للتذكير ببنده الثاني الذي نص على وجوب قيام الدولة العربية، دولة فلسطين، التي وقد تمكنت بعد سنوات طويلة من النضال والمقاومة، من مقعدها في الأمم المتحدة وإن كان بصفة مراقب، فإنها الدولة التي سيظل قيامها ممكنًا على أسس وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، مثلما جاء في رؤية الرئيس أبو مازن للسلام، التي قدمها لمجلس الأمن الدولي قبل عامين، ثم مبادرته لتحقيق هذه الرؤية من خلال عقد مؤتمر دولي للسلام، التي طرحها على هذا المجلس في أيلول الماضي، وقد ناقش مجلس الأمن هذه المبادرة وأجمع- باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل- على سلامتها الواقعية والشرعية، وأكد ضرورتها لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بقيام دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران، وبعاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل، بأمن وسلام واستقرار، وليس هذا فقط، وإنما الأمم المتحدة وفي رسالة من أمينها العام انطونيو غوتيريش  للرئيس أبو مازن أكدت الاهتمام بمبادرة الرئيس للسلام، وعزمها إجراء الاتصالات اللازمة مع الأطراف المعنية، لوضعها موضع التنفيذ، ولا شك أن التضامن الذي يتطلع له شعبنا في مثل هذا اليوم، هو الذي ينبغي أن يقود المجتمع الدولي الى تفعيل اتصالاته وحراكه، من أجل جعل المؤتمر الدولي للسلام واقعًا عمليًا، وللأمم المتحدة وهي تستذكر اليوم قرار التقسيم، لتأكيد تضامنها مع شعبنا الفلسطيني، لها أن ترى ان الفرصة قد باتت سانحة أكثر من أي وقت مضى، لإقرار العدل والانصاف للقضية الفلسطينية، وعلى طاولتها أوراق الحل الممكن بعملية السلام النزيهة، التي وضعت أسسها مبادرة الرئيس أبو مازن.

والمهم اللافت في كل هذا السياق في مثل هذا اليوم، أن فلسطين وقد أسقطت "صفقة القرن" لأكثر ثقة بمجتمعها الدولي، وقد ساندها بمواقف مختلفة في مناهضتها للصفقة الفاسدة، حتى أسقطتها، كما وأنها برغم جراح التطبيع، لن ترى في أمتها العربية غير ما تراه من حتمية المصير والمستقبل الواحد، وفلسطين هي الزيتونة المباركة لأمتها "لا شرقية ولا غربية" وزيتها الذي يضيء "ولو لم تمسسه نار"  وهذا من بين ما جعل لها يومًا دوليًا للتضامن مع شعبها، لأن زيتها لا يضيء بغير النور، نور الحق والعدل والهداية، لأهلها وأمتها وللعالم أجمع.