أين تكمن أهمية قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظماتها ومجالسها ولجانها المتخصصة الصادرة حول القضية الفلسطينية ما لم تقو إرادة المجتمع الدولي على تنفيذها وتطبيقها؟!. وما أهمية قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة المعني بالمسائل الاقتصادية والمالية الذي يصدر سنويًا منذ حوالي خمسة عشر عامًا تحت عنوان "السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية والسكان العرب في الجولان السوري المحتل على مواردهم الطبيعية" مع بعض التعديلات على مضمون القرار بين عام وآخر؟!. 

لابد لنا من الاطلاع على بعض بنود القرار الذي يرتكز ويسترشد كمرجعية على مجموعة كبيرة من أرقام وتواريخ قرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية وفتاوى محكمة العدل الدولية حتى يتسنى لنا إدراك أهمية النصوص الواردة فيه ومدى إمكانية البناء القانوني عليها لمحاسبة حكومة منظومة الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي العنصري. ومنها على سبيل المثال لا الحصر القرار (59/251) المؤرخ في 22 كانون الأول/ديسمبر 2004 وكذلك القرار (58/292) المؤرخ في 6 أيار/مايو 2004، بتأكيد مبدأ السيادة الدائمة للشعوب الواقعة تحت الاحتلال الأجنبي على مواردها الطبيعية. 

والقرار (242 (1967) المؤرخ 22 تشـرين الثاني/نـوفمبر 1967، وتأكيد انطباق اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949، على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والأراضي العربية الأخرى التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 ووجوب احترام صكوك حقوق الإنسان هذه في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وكذلك في الجولان السوري المحتل، وفتوى محكمة العدل الدولية في 9 تموز/يوليو 2004 بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، إلى جانب إعراب الأمم المتحدة عن القلق البالغ إزاء الدمار الشامل الذي ألحقته (إسرائيل) باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال، بالأراضي الزراعية والبساتين في الأرض الفلسطينية المحتلة، والتدمير الواسع الذي ألحقته إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بالهياكل الأساسية الحيوية، بما فيها أنابيب الإمداد بالمياه وشبكات الصرف الصحي، في الأرض الفلسطينية المحتلة، وإدراك ما يترتب على التشييد غير القانوني للجدار الذي تقوم (إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال)، ببنائه في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك داخل القدس الشرقية وحولها، من آثار ضارة على الموارد الطبيعية الفلسطينية، وما له من أثر خطير على الموارد الطبيعية للشعب الفلسطيني وأحواله الاقتصادية والاجتماعية.. وبعد جملة من المرتكزات حول الحل السياسي للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين ارتكازًا على قرارات الشرعية الدولية الصادرة ابتداء من القرار 242. 

بعد تثبيت مرجعيات القرار القانونية المثبتة في أرشيف الأمم المتحدة ومنظماتها يؤكد القرار على الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وسكان الجولان السوري المحتل على مواردهم الطبيعية، بما فيها الأرض والمياه، وتعترف بحق الشعب الفلسطيني في المطالبة بجبر الضرر الذي لحق به نتيجة لاستغلال موارده الطبيعية أو إتلافها أو ضياعها أو نفادها أو تعريضها للخطر بأي شكل من الأشكال، بسبب التدابير غير المشروعة التي تتخذها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية". وتعتبر الجدار الذي تشيده إسرائيل حاليًا في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك داخل القدس الشرقية وحولها، يتنافى مع القانون الدولي ويحرم الشعب الفلسطيني بشدة من موارده الطبيعية، وتدعو إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال للامتثال الكامل بالالتزامات القانونية الواردة في الفتوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية في 9 تموز/يوليو (2004(3) وفي القرار (د إ ط - 10/15). 

إذا أخذنا مصطلحات الشعب والسيادة والأراضي الفلسطينية والموارد الواردة في نص القرار، فهذا يعني سيادة الشعب الفلسطيني على أرضه المحتلة، والسيادة على الأرض تعني وجود سلطة قانون تمثل إرادة الشعب الفلسطيني تحمي موارده وتنظم استثمارها، بالمقابل نجد مصطلح (إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال) واردًا في كل بند من بنود القرار التسعة، وتحديث هذه الصيغة سنويا إقرار من العالم بأن الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حرب الخامس من حزيران من العام 1967 هي أراضي دولة فلسطين بما فيها القدس الشرقية، الدولة العضو المراقب في الجمعية العامة حسب قرار الأمم المتحدة  (19|67) وقرار مجلس الأمن (2334). 

السيادة تعني الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني وإقرارا بسلطته القانونية الدائمة أبدًا على أرضه قبل الاحتلال كما كانت ولا تزول بوجود الاحتلال الإسرائيلي وستبقى بعد جلاء الاحتلال، فالسلطة القائمة بالاحتلال (إسرائيل) -حسب القرار- سلطة طارئة وآنية، قيدت مواثيق واتفاقيات الأمم المتحدة إجراءاتها، وحددت ضوابطها، ما يعني أننا في هذا النوع من النضال القانوني في محافل الشرعية الدولية والمجتمع الدولي نراكم الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني في أرض وطنه (فلسطين) وحقه في السيادة عليها، وتذكير العالم بأن الواقع القائم عليها سلطة احتلال استعمارية عنصرية تدمر موارد الشعب الفلسطيني، وتحدث تغييرات ديمغرافية وهي جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي، ويجب الانتباه إلى أن القرار لا يتعامل بمصطلح السكان أو الفلسطينيين هكذا مجردة كما فعل ترامب في نصوص خطته الاستعمارية التي طرحها تحت مسمى صفقة القرن، وإنما يؤكد على مصطلح الشعب الفلسطيني.. رغم أنه ليس القرار الأممي الأول بهذه الصيغة ولن يكون الأخير لأن الشعب الفلسطيني هو منذ الأزل الحقيقة الساطعة على أرضه لم ولن تقوى قوة في العالم على اقتلاعها. 

مثل هذه القرارات ستكون قوة كامنة لنا نستخدمها في اللحظة المناسبة في سياق الصراع السياسي القانوني مع سلطة الاحتلال، وتعزيز شرعية كفاحنا بالوسائل المكفولة في القانون الدولي، وستكون بمثابة قوة إضافية إلى إرادة الشعب الفلسطيني ستمكنه من وضع فلسطين على خريطة العالم التي لم تفلح  الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية العنصرية بإزاحتها واحتلال مكانتها بالكامل، وإنما الذي يحصل أن فلسطين تستعيد مكانتها على الخريطة العالمية رويدا رويدا وفق سياسة عقلانية حكيمة يقودها الرئيس أبو مازن، وعلينا هنا ألا ننسى أن إسرائيل أنشئت بقرار من دول استعمارية كبرى سيطرت على الأمم المتحدة أما فلسطين فإنها موجودة منذ فجر التاريخ، وما اعتراف العالم بسيادة شعبها على مواردها إلا إقرار بهذا الوجود الأزلي.