هي المرة الأولى في تاريخ الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأميركية التي تتمكن فيها ثلاث سيدات فلسطينيات بالإضافة لشاب فلسطيني من اختراق كافة حواجز وتحديات المشاركة والفوز بعضوية المجالس التشريعية على الولايات وعلى المستوى الفيدرالي الاتحادي، سابقة انتخابية سيكون لها دلالات على الجهود المبذولة لتحقيق هذا الانجاز التاريخي غير المسبوق على مستوى الجاليات الفلسطينية والعربية خلال المرحلة الماضية، وهي محطة استراتيجية ستفتح بوابة مهمة نحو المستقبل تحت عنوان "لا مستحيل أمام إرادة المرأة الفلسطينية مهما اختلف المكان وتنوعت الساحات ومهما تغير الزمان".

والحديث عن هذا الانجاز الذي يضاف لسلسلة انجازات وعطاء المرأة الفلسطينية ليس مقدمة للغوص في السجال الدائر حول ديمقراطية أو سلامة الانتخابات الأميركية من حيث الاجراءات أو النتائج التي أفضت إليها، فهذا موضوع تحكمه قواعد لعبة الانتخابات ومدى ديمقراطية منظومة الحكم التي تنظم وتدير وتعلن نتائج الانتخابات بتعيين الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الاميركية.

وهذا لا يعني بالضرورة إغفال مدى تتبع العالم لأهمية تلك الانتخابات ونتائجها على مستوى العالم ومن بينه الجانب الفلسطيني كونه كان الأكثر تضرراً من سياسات الإدارة السابقة على أكثر من صعيد، وبالتالي المخاطر التي تكتنفها استمرارية الإدارة السابقة لفترة رئاسية جديدة، وهكذا كان حال عديد الدول والحكومات التي تناقضت وتصادمت مع الإدارة السابقة لأسباب تجارية، أو صناعية أو نفوذ وغيرها.

مرحلة معقدة تزامنت مع الانتخابات الأميركية أيضاً على الصعيد الداخلي والمتمثل بقضايا العدالة العرقية وقوانين واجراءات الهجرة ودور المهاجرين القدامى والجدد، إلى جانب العديد من الملفات الاجتماعية والصحية وعلى رأسها ملف مواجهة جائحة كورونا، ومدى نجاعة السياسات والاجراءات للتغلب عليها، كل ذلك شكل البيئة العامة للانتخابات الاميركية الاخيرة.

في هذا الإطار من تزاحم التحديات الداخلية والخارجية، واشتداد الانقسام الداخلي بين الحزبين الرئيسيين، وما صاحبه من فرز واصطفاف شعبي واسع وغير مسبوق على مستوى المجتمع الاميركي، كانت الانظار والتوقعات تنصب على من سيكون الرئيس الأميركي رقم 46؟ وهل ستنتقل السلطة بالسلم وبهدوء ام ان معارك التشكيك والطعن وسيل نهر قضايا الاتهام بالتزوير ستجرف أمامها معالم أهم ديمقراطيات هذا القرن؟ وهل سيكون للأقليات فرص الحضور والتعبير عن نفسها في ظل هذا الانقسام الشديد؟

جاءت النتائج الأولية لتعلن عن اختراق ثلاث فلسطينيات لحاجز الرعب الانتخابي في دورة 2020 بوصول ثلاث فائزات من أصول فلسطينية لعضوية مجلس النواب ومجالس الولايات المحلية إضافة لشاب مهاجر قبل 19 عاماً من أصول فلسطينية لمجلس ولاية انديانا، فوز الفلسطينيات يشكل شهادة وعلامة نصر لقدرة الفلسطينية على تحقيق النصر في مختلف الميادين، شهادة تعكس روح الإرادة والإبداع وتحدي الطرقات الصعبة والوعرة مهما كانت الظروف، فالنجاح يبدأ بخطوة وقرار أمام الذات، وطالما أطلقت الشرارة الأولى لنفسك فالخطوات التالية تصبح استكمالاً لهذه الإرادة، التقدم يعزز النجاح السابق، والامل في القادم من الخطوات يغذي إرادة التقدم لتحقيق النجاح والفوز، هذه هي كيمياء الفلسطينيات في كل مكان، وهذه هي هويتهن ومعدنهن، النجاح يولد من رحم المعاناة، والنجاح غاية تتحقق بالعمل الدؤوب وليس بالسكوت والتمنيات.

نجاح تحققه فلسطينيات وبأبعاد استراتيجية ثلاثية، يتمثل بقدرة المرأة الفلسطينية على إبراز صوتها وحضورها والاقناع بدورها وقوة شخصيتها في ظل تزاحم مسارات ومراحل العملية الانتخابية، لأن فرض الحضور يتطلب أعداداً نفسياً واستعداداً متواصلاً لاقناع الناخبين الداخليين قبل الخارجيين بالأحقية بعضوية الترشح، ولاحقاً تحقيق الدعم والتأييد وكسب أصوات المقترعين الخارجيين، وهذه معركة داخلية تمكنت المرشحات من اجتيازها والخروج للعلن كمنافسات قويات لباقي المرشحين من أصول وأجناس مختلفة، وبعد سياسي يتمثل في قدرة الفلسطينية على العمل السياسي ليس فقط على مستوى الشأن الداخلي الفلسطيني، كما كان يصفه البعض بأنه دور بحكم الامر الواقع، لكنه دور يعكس تطور قدرات المرأة الفلسطينية لأن هكذا نجاح لا يمكن ان يكون مجرد صدفة أو جائزة ترضية لأن معركة الانتخابات الاميركية معركة حقيقية وشرسة داخلياً (أي داخل الأحزاب) وخارجياً بين الأحزاب والمتنافسين، والبعد الثالث يتمثل بالدروس والعبر التي نتعلمها من نجاح الفلسطينيات الفائزات للمستقبل، لأن نجاحهن علامة نصر ملهمة لباقي النساء وباقي الأقليات المهمشة، إنها علامة ودرس للنساء في مجتمعنا الفلسطيني على نحو خاص وللنساء العربيات على نحو عام، الإيمان بدور المرأة وقدرتها على المنافسة والنجاح في أقسى انتخابات على مستوى العالم، وهي رسالة لكافة الجهات ذات العلاقة بالنظر لهذه التجارب والتقارب معها، وهي جسر بيننا في الأراضي الفلسطينية وبين مؤسسات اتخاذ القرار التي ينبغي أن نستثمر كافة قدراتها بما يخدم قضايانا ووصول صوت الأرض والقضية الفلسطينية بوضوح ونزاهة وعدالة لمصانع صنع القرار ومنصات اطلاق السياسات الاميركية، فقد عانينا من غياب من يحمل صوتنا ويعرضه في الاروقة والمكاتب المغلقة التي لم يكتب لنا الوصول اليها، وعانينا من غياب الاصدقاء الحقيقيين الذين يمثلون قضيتنا بنزاهة ووضوح وعدالة أمام الجهات الدولية، لقد عانينا من فقرنا على مستوى غياب من يفهم ويجيد التحدث بلغة الجمهور الاميركي على المستويين الشعبي والرسمي، هذا النجاح يجب أن يكون حلقة استثمار مهمة لتطوير أصدقاء جدد لخطابنا الموجه للجمهور ومراكز القرار والنفوذ، فهو صوت رسمي يمتلك فرصة التأثير التي افتقدناها طويلاً، وقطعاً لا نعني بأننا استكملنا تعيين ثلاثة سفراء جدد في أروقة السياسة الأميركية، لكننا اكتسبنا من خلال هؤلاء السيدات ثلاث بوابات وفرص حقيقية يمكننا الاستفادة المتوازنة منها ومن دورها وقدراتها لتغيير الصورة النمطية عن المرأة العربية بشكل عام وعن المرأة الفلسطينية بشكل خاص، واستثمار قدراتهن لإيصال صوت قضيتنا بلغة يفهمها المتلقون، فنحن في أمس الحاجة لأصدقاء حقيقيين من داخل البيت الأميركي.