في مثل هذا اليوم قبل ستة عشر عامًا رحل عنا ياسر عرفات شهيدًا شهيدًا شهيدًا، رحل جسدًا احتضنه تراب القدس قرب مقره في رام الله الذي حاصره شارون وأفسد هواءه بدخان قذائف دباباته، لكن ومنذ ذلك اليوم كان ياسر عرفات يحط في قلوبنا ويسكن ذاكرتنا روحا وسيرة، وتاريخًا لا يعرف الانقطاع، ومشهدًا هو ذات المشهد الوطني الفلسطيني، في واقعه الملحمي، ومنازلاته الشجاعة وهذا يعني وبمنتهى الوضوح ولطالما ظل مشهدنا الوطني هو هذا المشهد فإن ياسر عرفات يظل عصيًا على الغياب ولن يكون بوسع الزمن مهما تعددت سنواته تغييب رمزيته، ومعناه، وسيرته النضالية  التي تأسطرت في مشيه واثق الخطى بين حقول الألغام التي تعددت هوياتها التآمرية !! ذلك أن ياسر عرفات قد جعل من هذا المشي بين حقول الألغام، نوعًا من الهندسة السياسية التي أبطلت بخطوطها، وحساباتها الوطنية المستقيمة، ألغام هذه الحقول، حتى باتت هذه الهندسة معلمًا بارزًا من معالم السياسة الفلسطينية، وأسلوبًا نضاليًا برعت فيه هذه السياسة، وما زالت تبرع فيه، والحق أن ذلك ما كان ليكون، لولا واقعية الفكر الوطني وأصالته، والذي خرجت من رحمه، ونهضت به، حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" وحصنته بالقرار الوطني المستقل، والذي بات اليوم برؤية الرئيس أبو مازن، وقيادته وسياسته الحكيمة، أكثر تنورًا، وفعالية، وحضورًا منتجًا على صعد مختلفة.

ولا يبدو أن هذا اليوم الحادي عشر من تشرين الثاني بوارد أن يكون أقل قسوة من حاله الذي كان عليه قبل ستة عشر عامًا حين كان يومًا أرخ لرحيل ياسر عرفات عنا جسدًا في واقعة التراب المفجعة، فقبل أن يطل علينا بيوم واحد أصابنا بفجيعة أخرى برحيل صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، بعد صراع مرير مع فيروس كورونا اللعين.

ندخل إذن هذا اليوم الذي نحيي فيه ذكرى استشهاد الزعيم الخالد بعيون دامعة أكثر وقلوب أشد وجعًا ونحن نودع رفيقًا آخر من رفاق ياسر عرفات، واحدًا من أبنائه وإخوته الذين ساروا معه في دروب الكفاح الصعبة، والمنازلات التفاوضية الأصعب، نودع صائب عريقات، القائد والمناضل الوطني الفلسطيني الكبير، وفلسطين وهي تواري بترابها العزيز جسده الطاهر، ترى بفخر واعتزاز، أبناءها وهم يقضون في دروب الكفاح الوطني، وقد أحكموا قبضتهم على جمرة الثورة، ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا.

 سلامًا ياسر عرفات ... وداعًا صائب عريقات